د. علاء سرحان فى ظل تزايد وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة حول العالم، لم تعد الأضرار تقتصر على الأرواح والممتلكات فقط، بل أصبح لها تأثيرات اقتصادية مباشرة تتفاقم عامًا بعد عام. من الحرائق المدمرة التى تجتاح أوروبا، مرورًا بفيضانات الصين غير المسبوقة، وصولًا إلى الانهيارات الأرضية والسيول فى غرب إفريقيا، يتكشف للعالم بشكل متسارع حجم التكاليف الاقتصادية الكارثية التى يُخلّفها تغيّر المناخ. فى جنوب أوروبا، واجهت دول مثل إسبانيا واليونان وإيطاليا هذا الصيف موجات حر غير مسبوقة رافقها اشتعال عشرات الحرائق فى الغابات، مما أدى إلى تدمير آلاف الهكتارات من الأراضى الزراعية. وقدرت بعض التقارير أن الخسائر فى قطاع الزراعة وحده تجاوزت مئات الملايين من اليوروهات، فضلًا عن الأثر السلبى على السياحة والطلب على الطاقة، حيث ارتفعت تكاليف التكييف والتبريد لمستويات قياسية. أما فى الصين، فقد ضربت الفيضانات الكثيفة مناطق شاسعة من البلاد، شملت مدنًا صناعية كبرى ومراكز زراعية حيوية. ووفقًا لتقارير رسمية، فإن بعض المناطق سجلت أعلى معدل لهطول الأمطار منذ قرن، مما تسبب فى إغلاق آلاف المصانع، وتدمير البنية التحتية، ونزوح عشرات الآلاف من السكان. وتقدر الحكومة الصينية أن الخسائر الاقتصادية المباشرة جراء هذه الفيضانات بلغت أكثر من 5 مليارات دولار فى بعض الأقاليم فقط، دون احتساب التكاليف غير المباشرة كتعطل سلاسل التوريد. فى القارة الإفريقية، وبالأخص فى دول مثل غينيا وسيراليون ونيجيريا، أدت الأمطار الغزيرة إلى فيضانات مدمرة وانهيارات أرضية أودت بحياة العشرات وتسببت فى نزوح الآلاف. وأثرت هذه الكوارث على الإنتاج الزراعى والأسواق المحلية، وفاقمت من معاناة المجتمعات التى تعانى بالفعل من هشاشة اقتصادية ومناخية. فى غينيا مثلًا، تسببت الفيضانات الأخيرة فى تلف مساحات واسعة من محاصيل الأرز والذرة، ما ينذر بارتفاع أسعار الغذاء وتهديد الأمن الغذائى. المثير للقلق أن هذه الأحداث لم تعد استثناءً، بل أصبحت جزءًا من «الوضع الطبيعى الجديد» فى عالم يعانى من تغير مناخى متسارع. ووفقًا لتقديرات منظمات دولية كالأمم المتحدة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن الكوارث المناخية تُكبّد الاقتصاد العالمى خسائر تُقدَّر بحوالى 300 مليار دولار سنويًا .ومن المتوقع أن ترتفع هذه الكلفة إذا لم تتخذ الدول إجراءات جذرية للتأقلم والحد من الانبعاثات. الأمر لم يعد يخص البيئة فقط، بل بات مرتبطًا بالاستقرار الاقتصادى والأمن الغذائى والسياسى للدول. وعلى صناع القرار فى العالم أن يدركوا أن الاستثمار فى التكيف المناخى والبنية التحتية المستدامة لم يعد خيارًا، بل هو ضرورة اقتصادية عاجلة لحماية النمو والازدهار فى المستقبل.