قد يختلف معى الكثيرون، بأن قرار - سأتحدث عنه لاحقاً - وتوابعه اتخذته الحكومة الإسرائيلية منذ أيام، قد يكون أكثر خطورة من حديث بنيامين نتانياهو، التي حظى باهتمام كبير على المستوى، الدولي والإقليمي والعربي، الذى أشار فيه إلى أنه (فى مهمة تاريخية وروحية، مرتبطة بإسرائيل الكبرى)، والتي اعتبرها (حلم ومهمة أجيال يسلمها جيل بعد جيل)، صحيح أنه لا يمكن التعامل معه كما لو كان زلة لسان، أو دعاية انتخابية، بل تعبر عن رؤية تكشف مشروعه، استثماراً للحالة التى عليها المنطفة، ومع ذلك تبقى الحقيقة أنها ترويج لأوهام وأحلام مختلطة بالأساطير ومعتقدات تحفل بها الرواية الدينية التوراتية، منذ زمن الملك سليمان، وتشمل أراضى فى العديد من الدول العربية، كما أنها موجودة فى الفكر الصهيونى منذ أواخر القرن التاسع عشر، وسبق أن كشف عنها الكثيرون، منهم المفكر الإسرائيلى جابوتينسكي، ورؤساء وزراء سابقين مثل بيجين وشامير، تحدثوا عن إسرائيل من النهر إلى النهر، ويظل بن جوريون رئيس الوزراء المؤسس، يمثل الاستثناء الوحيد من القاعدة، حيث تفادى تحديد حدودها، وربطها بقدرة أفراد جيش الدفاع الإسرائيلى على الوجود، وكانت الخارجية الإسرائيلية، قد نشرت فى يناير الماضي، خريطة بها أجزاء من دول الجوار، كما تفاخر نتنياهو عن صياغته خريطة جديدة للشرق الأوسط عدة مرات، خلال الأعوام القليلة الماضية، آخرها فى سبتمبر2023. وعودة إلى القرار - الأخطر، الذى أعلنه بتسئيل سموترش وزير المالية الإسرائيلي، منذ عدة أيام، عن بناء الآلاف من الوحدات السكنية الاستيطانية، فى إطار مشروع (اى ون)، بهدف فصل القدسالشرقية عن الضفة، وبربطها مع مستوطنة معاليه أدوميم، لتنفيذ مشروع القدس الكبرى، مع توسيع حدود المدينة المقدسة، مما سيؤدى إلى عزلها بشكل كامل عن محيطها الفلسطيني، وتحويلها إلى مدينة مغلقة، محاطة بأحزمة استيطانية، مع تقليل الوجود العربى فى المدينة من 40 بالمائة إلى 20 بالمائة، مما يسهل عملية التهجير الكامل طواعية أو قسراً، والتى بدأت بالفعل، ولم يعد خافيًا عن أحد، أن اليمين الدينى المتطرف يتعامل مع القدس الكبري، ومركزها الهيكل المزعوم - بعد هدم المسجد الأقصى- باعتبارها قلب دولة إسرائيل الكبرى. وتتعدد مؤشرات الخطر فى القرار، باعتباره تجسيداً لمرحلة غير مسبوقة من التوحش الإسرائيلي، دون أى اعتبار لأحد، حتى للحلفاء، وجلهم ضده، وأثمرت ضغوطهم فى تأجيله لأكثر من عشرين عاماً، كما أنه يخلق - كما قال الوزير - واقع يهودي، يدفن نهائياً فكرة الدولة الفلسطينية، وتمثل (المسمار الأخير فى نعشها)، وهو أيضاً مقدمة لإعلان ضم الضفة الغربية نهائيًا إلى إسرائيل، الذى لن يتأخر كثيراً، وقد يتم خلال الأسابيع القليلة، وقبل أعمال الدورة القادمة للأمم المتحدة، كرد على اعتزام دول عديدة بالدولة الفلسطينية، وقد سبق للكنيست أن صدق قبل إجازته على مشروع قرار بذلك، بأغلبية 71 نائباً من أصل120، وسيعطى الصفة القانونية له بعد انتهاء العطلة البرلمانية فى 19 أكتوبر المقبل، فالوزير اعتبر الضفة جزءاً من إسرائيل ب (وعد إلهي)، وقد يفسر ذلك، خطة مصادرة مساحات كبيرة، واستثمار الملايين لإسكان مليون مستوطن، ولم يعد خافياً أن ما قام به هو تعبير عن تيار عام للحكومة، وليس توجه وزير بعد أن كشف عن التنسيق مع نتنياهو قبل الإعلان، وقال: (قد نختلف معه بخصوص الحرب فى غزة، ولكننا نتلقى كل الدعم منه فيما يخص يهودا والسامرة). نحن أمام مرحلة جديدة من مخطط طويل الأمد، يبدأ باحتلال قطاع غزة، بعد تصديق رئيس الأركان على الخطط الخاصة بذلك، ودفع أهلها إلى الهجرة القسرية، باستخدام سلاح التجويع، مع الإعلان عن ضم الضفة الغربيةوالقدس، وبعدها ندخل فى استهداف دول الجوار، وهى مطروحة منذ عقود، لدى جهات فى الغرب، فى إطار مشروع تفتيت وتقسيم العالم العربي، وسوريا هى الأقرب لتكون نقطة البداية، عبر زيادة معدلات الأراضى المحتلة لكل جبل الشيخ، مع العمل على إقامة ثلاث كيانات، (درزية) فى الجنوب، و(علوية) على الساحل حتى الحدود اللبنانية، و(سنية) ومركزها دمشق، مع البحث فى تعويضها بأجزاء من لبنان، من مناطق ذات أغلبية سنية، بعد استبعادهم من معادلة لبنان الجديد، والذى سيقتصر على كيانين، (شيعي) فى الجنوب، و(الموارنة) فى الشمال، وبعدها العراق، وتقسيمه لثلاث كيانات، أمر فى متناول اليد، (كردي) فى الشمال، و(سني) فى الوسط، و(شيعي) فى الجنوب، دون استبعاد بقية الدول المستهدفة. إسرائيل - يا سادة - يحكمها مثلث الشر، رأسه نتانياهو، وهو سياسى بامتياز، يعرف كيف يستخدم أوراقه، يملك قدرة عالية على نسج التحالفات، التى تخدم مصالحه، ويتعامل على أنه (ملك ملوك) إسرائيل، والذى وجه ضربة قاضية لفكرة التعايش مع الجوار، بحديثه عن دولة إسرائيل الكبري، ومعه بن غفير (الشعبوي) الذى يركز على كل القرارات التى يدغدغ بها مشاعر المتدينين المتطرفين، باقتحام المسجد الأقصي، والتى تنهى أى محاولة للتطبيع، أما الأخطر، الذى يمكن أن نطلق عليه (رجل الأفعال) سموتريش، الذى يعرف كيف يصل إلى أهدافه بشكل مباشر، الذى أجهض فكرة الدولة الفلسطينية، بعد أن نجحا معاً، فى آخر تشكيل وزاري، فى توسيع صلاحياتهما، بموافقة من نتنياهو.