مع الساعات الأولى من صباح الثانى من أغسطس 1990 تغيرت المنطقة العربية والشرق الأوسط، ولم تعد كما كانت رغم مرور كل تلك السنوات هل هناك جديد يمكن التوقف عنده بالكتابة؟، عن حدث فارق فى تاريخ المنطقة العربية والعالم، مر عليه 35 عاما، عندما اتخذ الرئيس الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين قراره الكارثى والمفاجئ بغزو الكويت. أظن نعم، وقد يكون فى إعادة ترتيب الأحداث، التى غابت عن متخذ القرار العراقى فى ذلك الوقت، والتى تكشف وتقول، إن مخطط استهداف العراق الدولة والدور، تم اتخاذه مبكرا جدا، وقبل فعل الغزو بسنوات عديدة، فالقاصى والدانى كان على يقين أنه ليس مسموحا للعراق، أن يتحول إلى دولة محورية تقود المنطقة، بقدرات اقتصادية ضخمة وامتلاك أحد الجيوش، التى تمثل رقما فى المعادلة العسكرية، والتى كنت شاهدا عليها، عندما حضرت عرضا عسكريًا فى يناير 1990 أى قبل الغزو بأشهر بمناسبة تأسيس الجيش العراقى، وعقب اتخاذ القرار، بدأت كافة الأجهزة المعنية على الفور، وضع الخطط اللازمة لتحقيق الهدف، الذى يحقق المصالح العليا لدول الغرب، وفى القلب منها أمريكا، فساهمت فرنسا فى توريطه فى حرب الخليج الأولى، وأعطت لصدام صورا مزيفة لحشود عسكرية إيرانية، ولم يكن الأمر صحيحا، فطهران لم تكن تريد الدخول فى صراع عسكرى مع جارها العراق، على الأقل فى هذه المرحلة، وكانت النتيجة استنزاف العراق، على كافة الأصعدة ويكفى أنها كلفت بغداد خسائر مادية جسيمة فقط، وصلت 251 مليار دولار. حرب جديدة وهكذا انفتح الطريق أمام المرحلة الثانية، هى تشجيعه على الدخول فى مغامرة جديدة، بفتح الطريق أمامه لغزو الكويت، خاصة أنه يسعى إلى تعويض خسائره المالية، لم يتنبه صانع القرار فى بغداد أو رجاله، إلى ذلك كله، رغم أنه لم يكن سرا، بل كان منشورا فى كتاب صدر فى لبنان عام 1983، وقام بترجمته الكاتب المصرى عبدالهادى ناصف، تحت عنوان (قوة الانتشار السريع والتدخل العسكرى الأمريكى فى منطقة الخليج)، ومؤلفه جيفرى ريكورد، والذى تضمن استعراضا لتقارير معروضة على الكونجرس الأمريكى، وقد تم تشكيل هذه القوة -كما يقول قائدها جنرال ب. كيلي- للتعامل مع أى طارئ، وهى انعكاس لتصميم إدارة ريجان على حماية مصالحها فى منطقة الخليج، وتضمن إجابة على العديد من الأسئلة، عن طبيعة المهمة ومتى ستتدخل؟ وهل هى قادرة على التصدى للتهديدات المنتشرة، واحتياجاتها اللوجستية، وتم تدريبها فى قواعدها فى ألمانيا، أو فى أجواء حارة مشابهة لمنطقة الخليج، فى أمريكا، وهناك ولايات تعيش نفس طقس الخليج وحدد الكتاب ثلاث حالات للتدخل السريع، وتمثل تهديدا مباشرا وصريحا للمصالح الأمريكية، وهى كالتالى : تدخل الاتحاد السوفيتى، فى أى من دول الخليج. تدخل دول إقليمية، ومرشح لها -كما قال الكتاب- العراق بالأساس واليمن الجنونى، قبل توحيد اليمن فى مايو 1990. حدوث انقلاب داخل أى من الأسر الحاكمة، بما لا يتناسب مع رغبة ومصالح الإدارة الأمريكية. وعلى الفور منذ ثمانينيات القرن الماضى، والإعداد على قدم وساق لتطوير القوات الأمريكية للتدخل السريع، للاستجابة الفورية لمواجهة الأزمات والأحداث المفاجئة فى مناطق ذات أهمية استراتيجية لها. قمة بغداد وبدأت بوادر أزمة غير مسبوقة، تواجه المنطقة العربية، عندما فاجأ الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، جميع الحضور من القادة العرب، المشاركين فى القمة الاستثنائية التى استضافتها العاصمة بغداد فى 28 مايو، وأثار صدام حسين قضية لم تكن مطروحة على الأقل فى العلن، عندما اتهم الكويت بسرقة النفط العراقى، ودارت عجلة الأزمة وتطورت عبر إرسال مذاكرات عراقية للجامعة العربية فى 16 يوليو، تحمل نفس المضمون، لم يكتف العراق بذلك، بل حشد 100 ألف جندى على طول الحدود مع الكويت، وفقا لرصد المخابرات الأمريكية، ولكن قادة عربا فى مقدمتهم الرئيس الراحل حسنى مبارك، والملك حسين، وحتى وزير الخارجية السوفيتى ادوارد شيفرنادزه فى لقائه مع نظيره الأمريكى بيكر، كان تقديرهم أن الأمر لا يتعدى ضغوطا للحصول على أموال تعوض تلك الخسائر، وساهمت أمريكا فى (تقديم الطعم) للرئيس صدام، عندما التقته سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية فى بغداد ابريل غلاسبى فى الخامس والعشرين من يوليو، حيث أبلغته أن بلادها تفضل حل مثل تلك الأزمات بالطرق السلمية، ولكنها وفقا لتسريبات ويكيلكس لم تحذره من غزو الكويت، واكتفت بالقول أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس لديها رأى فى الصراعات العربية العربية، لم يكن الأمر قاصرا على السفيرة، فهناك معلومات موثقة، بأن وزارة الخارجية الأمريكية أرسلت تأكيدات فى وقت سابق لصدام، بعدم وجود أى التزامات دفاعية أو أمنية مع الكويت، رغم أن غلاسبى قللت من هذه السردية، عندما وقفت أمام لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ فى مارس 1991، لتؤكد أنها حذرت صدام، ولكن بلهجة دبلوماسية. ولهذا كله، أمر الرئيس الأمريكى بوش فى التاسع من أغسطس ببدء عملية (درع الصحراء)، وأمر بالانتشار الأمامى لعناصر من قوات التدخل السريع، للمساعدة فى الدفاع عن السعودية، لم يكن الأمر صعبا، فالخطة جاهزة والتدريب عليها استمر لسنوات عديدة، وفقا لعقيدة كولن باول رئيس هيئة الأركان المشتركة، والتى تنص على استخدام القوة الهائلة، لتحقيق نجاح كاسح، ولخفض الخسائر المحتملة فى صفوف القوات المهاجمة، ولهذا فخلال أسابيع حشدت واشنطن حوالى ربع مليون جندى، ومثلهم من 34 دولة شاركت فى التحالف الدولى الذى نجحت واشنطن فى تشكيله. جهود لمنع الكارثة وتحركت مصر مبارك سريعا ومنذ بداية الأزمة للتوصل إلى حل سلمى لها، ويرصد دكتور مصطفى الفقى بالتفصيل، وكان يعمل سكرتيرا للمعلومات فى كتابه، ( قصة الأمس)، جهد يوم واحد وهو 24 يوليو 1990، حيث التقى مبارك فى بغداد بالرئيس صدام، فى اجتماع لمدة خمس ساعات، طالبه بضرورة السعى إلى حل الأزمة مع الكويت، بالحوار وإعطاء فرصة لذلك، وبعدها ذهب إلى الكويت للالتقاء بالأمير جابر الحمد الصباح، للاتفاق حول الخطوة التالية، وفى المساء حط رحاله فى السعودية للقاء الملك فهد، حيث تم الاتفاق على استضافة مدينة جدة، لحوار شارك فيه الشيخ سعد العبدلله ولى عهد الكويت، وعزة إبراهيم الرجل الثانى فى العراق، والذى لم يحقق أى نجاح، وأصبح الجميع على قناعة بأن الأمور ذاهبة للمواجهة، ويبدو كما يقول محمد حسنين هيكل فى كتابه (حرب الخليج أوهام القوة والنصر)، إن مبارك قد اطلع يوم 23 يوليو، على الخطة الأمريكية للحرب، فظل يراوده الأمل فى معجزة، إذا خرج العراق من الكويت بدون شرط. وأتوقف هنا عند الشهادة المهمة التى قدمها السفير نبيل نجم، وهو أحد أبرز السفراء العراقيين فى مصر، منذ بداية عمله فى سبتمبر 1988، التى جاءت فى مذكراته، والتى أصدرها تحت عنوان (قصة الأمس)، بعد أن نجح فى نسج شبكة علاقات قوية مع كبار المسئولين فى مصر، وفى مقدمتهم الرئيس مبارك فى إطار الثقة فى قدراته، وأنه أمين فى الحفاظ على العلاقات بين البلدين: العراقوالكويت. شهادة حق وعاش أصعب فتراتها حيث قال (لم يخطر ببالى قط، أن الأمر سيصل إلى احتلال الكويت وضمه)، منذ خطاب الرئيس صدام حسين فى 16 يوليو، وزيارة مبارك لبغداد فى 24 من نفس الشهر، وقد حضر بحكم منصبه جلسة المباحثات بينهما، وقال (ما فهمته من حديث الرئيس صدام أثناء تلك الزيارة، أنه سيكون هناك رد فعل عراقى عنيف، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية التى تجرى لإيجاد حل سياسى، وبشكل خاص اللقاء فى جدة بين وفدى العراقوالكويت) ويقر فى الصفحة 746، (أنه مهما كانت مبررات الغزو، فقد كان خطأ سياسيا واستراتيجيا، دفع العراق ثمنه باهظا، واستمرت آثاره السلبية فترة طويلة). وبعد، هكذا عاش العراق، وسار فى طريق لم يعد منه كما كان، وتغيرت هويته، واستنزفت موارده، بعد أن عانى من مرحلة عنوانها (حرب تلد أخرى التاريخ السرى لحرب الخليج)، لمؤلفة العراقى سعد البزاز، والصادر عام 1993، والذى انشق على النظام العراقى بعد أن كان من رموزه الإعلامية فقد دخل بعدها العراق ثلاث حروب مع إيران سبتمبر 1980 والثانية فى فبراير 1991 والأخيرة لم يلحقها كتاب سعد البزاز وكانت فى مارس 2003 وانتهت باحتلال بغداد.