«لا تشبه الليلة البارحة»، بعد أن اختلفت الأوضاع فيما يخص المسجد الأقصى، أولى القبلتين، ثالث الحرمين، خلال عامين ونصف بشكل جذرى، ويكشف عن تطورات مقلقة. فى يناير 2023 أعلن ايتمار بن غفير تأجيله لاقتحام المسجد الأقصى، بعد مكالمة مع بنيامين نتانياهو، وسط موجة الانتقادات الإسرائيلية والفلسطينية، وتحذير من تصعيد أمنى، نتيجة تهديدات المقاومة الفلسطينية بتفجير الأوضاع، وفتح الباب أمام اندلاع انتفاضة جديدة، وفى الثالث من هذا الشهر، قام نفس الشخص وهو لمن لا يعلم - وزير مهم فى الحكومة، مسئول عن الأمن القومى، بنفس العملية للمرة السابعة، منذ بدء عمليات طوفان الأقصي، والعدوان الإسرائيلى على القطاع ، الاقتحام الأخير وفقًا لتقارير عديدة، هو الأخطر منذ الاحتلال الإسرائيلى للقدس فى يونية 1967، والذى أقيم بمناسبة الاحتفال بذكرى (خراب المعبدين) عند اليهود. وتتعدد أسباب ذلك، وكلها تصب فى مخطط استباحة المسجد الأقصى بصورة غير مسبوقة، وتخالف بشكل صريح، ما استقرت عليه الأمور منذ عشرات السنين، والاتفاقات التى كانت تنص، على السماح لغير المسلمين من اليهود وغيرهم، بالتجول فى الأقصى لساعات محدودة، وبأعداد قليلة، دون السماح بالصلاة أو أداء أى طقوس دينية، بينما هذه المرة تم الاقتحام بأعداد غير مسبوقة، اقترب من أربعة آلاف شخص، وكانوا قبل ذلك بالعشرات وعلى استيحاء، كذلك المشاركة الواسعة من رموز فى الحكومة، والكنيست والأحزاب الدينية، فى مقدمتهم وزير الأمن القومى الإسرائيلى ايتمار بن غفير، ووزير تطوير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف، وعضو الكنيست عن الليكود عميت هاليفى صاحب، مشروع القرار المعروض على الكنيست منذ منتصف عام 2023 بتقسيم المسجد زمنيًا ومكانيًا، حيث تم الاستيلاء الكامل على ساحات المسجد، وإقامة صلاة (شماع) وهى الصلاة الرئيسية لدى اليهود، فى ساحة المصلى المروانى، وأيضا صلوات (بركات الكهنة) فى المنطقة الشرقية له، كما رفعوا الأعلام الإسرائيلية والتى كانت مقصورة على عيد الاستقلال فى مايو من كل عام، ومعها رايات المعبد المزعوم، وكتب عليها (بيت الله العالمى). ويبدو أن شهر يونيو الماضى كان حدًا فاصلًا بين عهدين، فقد شاهد العالم بن غفير وهو يقوم بتوبيخ الشرطة علنًا، عندما حاولت منع المستوطنين من الرقص والغناء ورفع الأعلام، وبعدها نجح فى تمرير عدد من القرارات الحكومية التى سمحت لهم بكل ذلك، ومعها ذبح القرابين، وكانت من المحظورات عليهم، تتم فقط فى السر، على عكس هذه المرة، تم الأمر تحت سمع وبصر الشرطة الإسرائيلية وحمايتها، مما يؤشر إلى أن حكومة نتنياهو وبقيادة الوزير بن غفير، تتعامل مع المسجد كما لو كان كنيسًا يهوديًا، ولم تعد تهتم بالمصلين من المسلمين، مع العلم بأنه سبق الاقتحام مسيرة استفزازية، فى البلدة القديمة، صرح فيها بن غفير بأن اليهود لن يكتفوا بعد ذلك بالحداد، بل سيفكرون فى بناء الهيكل، وفى السيادة والسيطرة، وقال (الأقصى لليهود وسنبقى هنا للابد)، وقد لخص أحد أعضاء الكنيست السابقين، أسباب هذا التحول الدرامى فى المواقف الإسرائيلية، عندما قالها صراحة، وأنقلها كما هى، دون تدخل منى، (لقد تم الترويج لفكرة أن صعود اليهود على جبل المعبد أى المسجد الأقصى سيشعل الشرق الأوسط. وأضاف (كلما زاد صعودنا، وأداء الصلاة والغناء والرقص، فإن الشرق الأوسط مازال هادئًا ولم يحترق)، وهكذا فقد عاشت الحكومة الإسرائيلية على مفهوم معروف يطلق عليه (الردع بالظن)، تمثل فى حرصها طوال حقب طويلة على عدم المساس بالمقدسات الإسلامية، بينما ظهرت لها الحقيقة، أن المسجد لا نصير له ولا مدافع عنه من مليارات المسلمين فهم (كغثاء السيل)، فزادت من معدلات تنفيذ خططها، وتنفيذ تغييرات جذرية استراتيجية، وفرض نفسها كإدارة وحيدة للمكان، وقصر عمل دائرة الأوقاف على شئون المسلمين، فى الأوقات والأماكن المسموح لهم بذلك، أثناء الصلوات الخمس، وتغير الشكل إلى وجود تعبدى، والتعامل مع الاستيطانى اليهودى، على أنه أمر واقع، بعد كسر الحواجز الدينية والقانونية المفروضة على المستوطنين داخل المسجد، والذى هو حق خالص للمسلمين، لا يقبل القسمة ولا الشراكة، خاصة وأنه يواجه مخاطر التقسيم الزمانى والمكانى، ما يجرى هو استنساخ لما جرى فى المسجد الإبراهيمى الذى تم بحكم الأمر الواقع، فى عام 1994 بعد ارتكاب متطرف يهودى باروخ غولد شتاين، مذبحة للمصلين أثناء أدائهم صلاة الفجر. علمًا أنه إحدى الشخصيات التى كونت وعى بن غفير. وبعد، فإذا كانت هذه مكاسب اليهود فى المسجد الأقصى، خلال عامين ونصف العام، فماذا عن المستقبل القريب، أخشى أن تكون الطريق سالكة أمام تنفيذ مخططات جماعات الهيكل، التى تضم 50 منظمة ومؤسسة، وتشرف على الاقتحامات، وتحظى بدعم سياسى ومالى من الحكومة والطبقة السياسية، خاصة وأن لها كتلة مرجحة تصل إلى 15 بالمائة فى الكنسيت، وحلمها التى تعيش عليه، وعقيدتها التى تؤمن بها، تنص على هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل مكانه، باعتبار ذلك جوهر الوجود اليهودى على أرض فلسطين، فماذا نحن فاعلون؟، اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.