لن أبالغ إذا قلت من خلال رصد أمين وقراءة متأنية، إن هذه المرحلة هى الأخطر على منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، والعالم العربى بصفة خاصة، والأمر يستدعى كل اليقظة، والاستعداد لمواجهة تحديات غير مسبوقة، وسط مخططات لرسم خرائط جديدة، قد لا تتوافق مع مصالحنا كعرب، وقد نختلف حول البداية، هل بدأت مع اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى؟ أو تم استثمارها بعد استيعاب الضربة المزلزلة، التى أصابت عصب إسرائيل، ونالت من كرامة جيشها، فلم يكن هناك أى توقعات حتى المتشائمة منها، باستمرار العدوان الإسرائيلى، أكثر من 665 يوماً، أو أن يصل حجم القنابل التى تم استخدامها فى إنهاء أى مظاهر للحياة بما يعادل 7 قنابل نووية، مثل التى تم إلقاؤها على هيروشيما، ولكننا أمام حرب مفتوحة على كل الاحتمالات، وهذا ما حذر منه زعيم حزب (هناك مستقبل) المعارض يائير لابيد، من أن حكومة نتنياهو (تجر البلاد إلى حرب أبدية فى قطاع غزة)، بعد أن تراجعت كل الآمال المعلقة على إنجاز صفقة تبادل للأسرى، وتم طرح مقاربة جديدة، وهى (الكل أو لا شيء)، وفقًا لما قاله مبعوث ترامب ستيف ويتكوف فى لقائه مع أسر الأسرى الإسرائيليين السبت الماضى، بعد أن اعترف بأن الاتفاقيات المرحلية لم تنجح، ويجب تغيير مسار المفاوضات، بإعطاء مهلة لحماس للإفراج عن كل الأسرى، وإنهاء المواجهات، وتسليم السلاح، والأخير ترفضه فصائل المقاومة، ونتوقف عند ثلاثة ملامح ستحكم مشهد ما بعد وقف العدوان، وهى كالتالى: الأول: استمرار المأساة الإنسانية فى قطاع غزة، مع غياب أى تعديل فى المواقف الإسرائيلية، والتى تحظى بدعم من إدارة ترامب، والتى بدأت فى استخدام التجويع كسلاح، فكل المعابر الخمسة التى تربط إسرائيل بالقطاع مغلقة ومحتلة، ولا تسمح تل أبيب بعبور أى شحنات سوى عدد محدود منذ أيام، وقد كشفت منظمة هيومن رايتس فى تقرير لها، عن أن الجيش الإسرائيلى أقام نظاماً عسكرياً معيباً، لتوزيع المساعدات، مما حول العملية إلى حمام دم ومصيدة للموت، واعتبرت أن عمليات قتل الباحثين عن المعونة، هى جريمة حرب، بعد أن وصل عدد شهداء الفلسطينيين الباحثين عن (كسرة خبز) أكثر من 1500 منذ 27 مايو الماضى، بالإضافة إلى حوالى عشرة آلاف مصاب، وأصبح البديل هو إلقاء المساعدات من الجو، والذى لا يمكن أن تكون بديلاً عن وصولها عبر البر، كما قال وزير الخارجية الألمانى يوهان فاديفول التى تشارك بلاده فى عمليات الإغاثة عبر الطائرات، مع عدد من الدول فى مقدمتها مصر، والأردن والإمارات ودول أوربية أخرى، والمؤسف أن واشنطن مازالت على موقفها من استمرار نظام المساعدات عبر مؤسسة غزة الإنسانية، رغم الزيارة التى استمرت خمس ساعات للمبعوث الأمريكى ويتكوف، وكانت المحصلة إلقاء ترامب اللوم على حماس، واتهامها بسرقة المساعدات، دون أن ينتظر تقرير مبعوثه. الثانى: للقطاع وإعلان السيادة الإسرائيلية عليه، والقضاء على حماس، وتشجيع الهجرة الطوعية، إلى المخطط الذى كشف عنه وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس الشهر الماضى، إقامة (مدينة إنسانية) لاحظ الاسم، تهدف فى مرحلتها الأولى، تفريغ منطقة الممر الإنسانى، ونقل 600 ألف من الفلسطينيين إليها، على أن تتولى منظمات دولية إدارة الشئون المدنية بها، وتولى الجيش مسئولية تأمين محيطها، وتشرف على آلية الفحص الأمنى لسكانها، المدينة مع منع السكان من مغادرتها، وتسعى فى وقت آخر بنقل بقية السكان، وسيتم البدء فيها فور التوصل إلى اتفاق إطلاق النار، على أن تقام بين محورى فيلادلفيا وموراغ، وفى المرحلة الثانية سيتم تشجيع الهجرة الطوعية إلى دولة ثالثة، وهو ما رفضه رئيس الأركان ايال أزمير، لأنها تفتقر آلية أمنية وتنظيمية واضحة، وتتطلب توفير قوات عسكرية كبيرة، وآخر الأفكار التى يتبناها نتنياهو، ضم أجزاء من غزة، لتحقيق هدفين، الأول تثبيت الوجود الإسرائيلى فى القطاع، والثانى استرضاء بن غفير وسيموتريتش لضمان استمرار حكومته، خاصة وأن الأخير عبر عن رفضه الهدنة الإنسانية، التى أعلنتها إسرائيل وضم ما بين 90 إلى 100 بالمائة عبر إجراءات تدريجية، تبدأ بإقامة منطقة عازلة ثم الامتداد نحو الشمال وصولاً إلى الضم الكامل، ودفع السكان إلى الجنوب وجعل القطاع بأكمله غير صالح للعيش، ويتردد أن المخطط حصل على ضوء آخر من الإدارة الأمريكية، أثناء زيارة وزير الشئون الاستراتيجية رون ديرمر إلى واشنطن، الأسبوع الماضى مع مسعى إسرائيل لخلق فوضى شاملة، بدعمها لمجموعات عشائرية فى غزة، وهو ما تفاخر به نتنياهو، وقال ما الخطأ فى ذلك، إنه أمر جيد، ينقذ أرواح جنودنا، النموذج الأبرز مجموعة ياسر أبو شباب، وظهور مجموعات أطلقت على نفسها القوات الشعبية، تهدف إلى إنقاذ غزة من حكم حماس، ونجحت فى إرساء سلطة فعلية على الأرض، وزعم أبو شباب بإنشاء منطقة محمية فى الجزء الشرقى من رفح، يمكن للمدنيين النزوح إليها. وبعد فهذه سيناريوهات الفترة القريبة القادمة، وكلها تمس بأمن واستقرار المنطقة، فهل نحن مستعدون للمواجهة؟.