ما بين بدايات الشاعر أحمد الشهاوى فى أواخر السبعينيات، وحتى لحظة حصوله على جائزة الدولة التقديرية الأسبوع الماضى، مشوار أدبى متنوع، أنتج خلاله ما يزيد على عشرين كتابًا، بين الشعر والنثر والسفر، واللغة الممتزجة بالتراث والفلسفة، لا تنقطع تلك المسيرة عن نشأته فى قرية تتقاطع مع التراث الصوفى، ولا بعمله فى الصحافة وأسفاره وتجربته الشخصية الثرية، ما بين ترجمات للغات مختلفة وجوائز عربية ودولية عديدة كان تقديره الأخير له مذاقه الخاص وهو ما يحكى عنه فى حوارنا معه. ■ بعد حصولك على الجائزة التقديرية فى الأدب، كيف تقرأ هذه اللحظة فى سياق مشوارك الشعرى الممتد لأكثر من أربعة عقود؟ - بالنسبة لى ليست جائزة الدولة التقديرية فى الآداب مناسبة عارضة أفرح بها، وينتهى الأمر، لكن يمكن القول إنها عبور جديد نحو سعى مختلف فى الكتابة والنشر مصريًا وعربيًا وعالميًا. الفوز بالجائزة ليس اطمئنانا بأننى «وصلت» بل إننى أبدأ من جديد، وأسعى إلى كشف ما لم يكشف من ذاتى والذهاب إلى الأقاصى فى روحى. الفوز ليس لحظة فرح مؤقتة بل عمل دؤوب ومراجعة للذات ومساءلة للنفس. فمسيرتى تستحق الوقوف أمامها لأن وجوهها متعددة ومختلفة وأنا من الذين يمارسون التنوع فى الكتابة التى أراها أوسع من التجنيس والحبس فى صناديق النقاد والمصنفين. ■ اشتبكت قصائدك مع التراث الصوفى وأنتجت منه كتابة جديدة ولم تتخل عن هذا الحس حين اتجهت لكتابة الرواية، كيف ترى انتشار الرواية عن الصوفية فى العالم؟ وكيف يمكن قراءة توجهك للرواية الصوفية فى هذا الإطار؟ - أنا لست غريبًا على التصوف فأنا ابنه، وأعيش فيه وله منذ كنت صبيا فى القرية، وأنفقت الكثير من الوقت والجهد كى أبقى فى نوره وناره، وأنا من الذين يرتاحون فى الكتابة عما أعرف وأتقن، ومن ثم يصبح من السهل اكتشاف مناطق مجهولة فى أرواحنا وكذلك فى أماكننا، والتصوف عالم رحب ويمكن لمن يخوض فيه أن يجد جديدا ويرتاد مجهولا، وهناك كتاب وشعراء كثيرون أفادوا من التصوف، وما أكثر الكتب المتون التى يمكن للمرء أن يعتمد عليها، لكن أن يذهب كاتب ليستفيد من التصوف لأنه «الموضة» فهذا ما لا أقبله، بل إن العمل سيخرج فجا وسطحيا أو لنقل سياحيا. ■ ما الذى دفعك للاتجاه للرواية وهل شكل ذلك تحولًا ما فى مسارك الشعرى؟ ما مدى تأثير كل منهما على الآخر؟ - أنا من أوائل الشعراء الذين اهتموا بفكرة السرد فى الشعر، وهناك دراسات نقدية كتبت حول جهودى هذه قبل أربعين عامًا، وأنا بطبيعتى حكاء ورحالة وهذا أفادنى أولا فى الكتابة الشعرية، ثم فى الكتابة الروائية، وأنا لم أذهب نحو الرواية لأجرب جنسا أدبيا جديدا عليَّ بل أختبر روحى فى السرد النثرى لا السرد الشعرى الذى بدأت به. كما أننى وجدتنى فياضا وأحتاج إلى قماش عريض قد لا يستوعبه النص الشعرى. ■ كيف ترى العلاقة بين عملك الصحفى ونتاجك الأدبى؟ - الصحافة قتلت كثيرين من أهل الأدب، ولذا حصَّنتُ نفسى من آلة القتل هذه، ودافعتُ باستماتةٍ عن هويتى كشاعر، فلم أخرج من مصر لأعمل فى أية صحيفة عربية، وعودت نفسى أن أنسى مهنتى بمجرد الخروج من باب الأهرام، فكنت أكتب الشعر وما زلت على ورق أبيض غير مسطر غير الورق الذى نستخدمه فى الصحافة، وأستخدم قلما ذا حبر أسود سائل غير قلم الصحافة، لكن الصحافة أفادتنى فى الحذف والإيجاز والتكثيف والعمل بدأب والاحترافية والاطلاع الواسع المتنوع فى القراءة والسفر فى البلدان الغريبة والنائية. لقد علمتنى الصحافة الكثير ومن أبرز ما تعلمت هو كدح الذهن وخلق أفكار جديدة طوال اليوم. ■ ما المشروع الذى يشغلك الآن؟ وهل هو مشروع شعرى أم نثرى؟ - عندى كتب كثيرة قيد النشر، لكن لدى رغبة فى إعادة نشر كتبى التى نفدت، وكذا نشر رواية جديدة، وكتاب عن سيرتى فى الشعر واللغة والتصوف والعشق. كما أن هذا العام أنتظر كتبا لى ستصدر بالإنجليزية من ترجمة د. سارة حامد حوَّاس، وكتبا أخرى بالتركية من ترجمة د. محمد حقى صوتشين والإسبانية من ترجمة د.عبير عبد الحافظ. لا تنس أننى شاعر يعمل وينجز كل يوم ولا يكف عن السعى والاجتهاد والتفكير بشكل دائم.