(الواقعية)، (وعدم رفع سقف التوقعات)، كلمة السر فى نجاح (المؤتمر الدولى لتسوية القضية الفلسطينية بالوسائل السلمية، وتنفيذ حل الدولتين)، والذى أنهى أعماله أمس الثلاثاء، فالسعودية وفرنسا رعاة المؤتمر أو المشاركان فيه، لم يتعاملا مع الأمر، كما أن الدولة الفلسطينية أصبحت فى مرمى البصر، أو أنه سيتم الإعلان عنها فورًا، بل باعتباره بداية لجهد فى إطار عمل دءوب، وكان هذا واضحًا من تصريحات وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان، الذى اعتبر أن الهدف، هو (الدفع باتجاه تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التى تقضى بإقامة دولتين، ينعم فيها الفلسطينون بدولتهم المستقلة، ويحقق للمنطقة السلام والاستقرار)، وسارت المقاربة الفرنسية على نفس التوجه، فالمؤتمر ينعقد فى وقت صار فيه حل الدولتين عرضة لتهديد هو الأكبر من أى وقت مضى، ولكن باريس تعتقد على نفس المستوى، فى أن الوقت ذاته صار أكثر ضرورة، لغياب البديل، فهو خطوة أولى وليس الهدف النهائى، للحفاظ على حل الدولتين، ولإعادة خلق ديناميكية دبلوماسية، من شأنها أن تساعد فى إعادة إطلاق آفاق هذه الحلول. ودعونا نتفق أن صعوبة تمرير حل الدولتين فى هذا التوقيت، يعود لأسباب عدة، نتوقف عند ثلاثة منها، وهى كالتالى: أولًا: مخطط إسرائيل لخلق أمر واقع، والعبث بجغرافية أرض دولة فلسطين، مع استمرار الاحتلال ومخططات الاستيطان، التى وصلت إلى أرقام غير مسبوقة، منذ احتلالها فى عام 1967، وامتدت إلى مناطق أ وب على حساب صلاحيات السلطة الفلسطينية، وتجاوز الأمر إلى التطهير العرقى، وترحيل الآلاف من الفلسطينيين، وكشف تقرير إسرائيلى أخير عن زيادة أعداد البؤر الاستيطانية بنسبة 40 بالمائة، وارتفع من 128 إلى 178 خلال الحكومة الإسرائيلية الحالية، وتمت الموافقة على بناء أكثر من 41 ألف وحدة استيطانية خلال العامين ونصف العام، وهو رقم يفوق العدد المسجل فى السنوات ال 6 من 2017 إلى 2022، وكان الكنيست قد صوت، مؤخرًا على قرار ضم الضفة وتطبيق القانون الإسرائيلى عليها، وينص على أن الضفة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، الوطن الدينى والتاريخى والروحى لليهود، وطالب الحكومة بتطبيق السيادة والإدارة فى أسرع وقت عليها، وفى مناطق أخرى فى غور الأردن. ثانيًا: إن إسرائيل أيضًا مسئولة عن إجهاض أهم فرصتين لتمرير حل الدولتين، الأولى بعد اتفاق أوسلو فى سبتمبر 1993، بعد اعتراف تل أبيب بسلطة فلسطينية ذات صلاحيات، وفترة انتقاليه خمس سنوات، ولم تلتزم ببنود الاتفاق الذى وقعت عليه، والثانية فى مارس 2003، فى قمة بيروت عندما تم إقرار مبادرة السلام العربية، التى نصت على السلام الكامل، والتطبيع الكامل، مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67، وعاصمتها القدسالشرقية، ورغم سخاء العرض، إلا أن تل أبيب تعاملت معه باستخفاف شديد. الثالث: رفض دول مهمة فى المشهد الدولى، فكرة حل الدولتين، والذى يمكن رصده من خلال ردود الأفعال على قرار ماكرون بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والذى مثل قيمة معنوية كبيرة، باعتبارها إحدى الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن، وفى مجموعة السبع الكبري، ولن نتوقف عند ما صدر من تل أبيب رغم أنه اتسم بالحدة والخروج على الأعراف الدبلوماسية، حيث قال نتنياهو، إن باريس تكافئ الإرهاب، وتنذر بخلق وكيل إيرانى آخر، ووزير دفاعه يسرائيل كاتس اعتبارها عارًا واستسلامًا للإرهاب، والأهم هو الموقف الأمريكى، الذى تماهى مع نظيره الإسرائيلى، حيث اعتبر ترامب أن قرار فرنسا بدون قيمة، وليست له أهمية، ووصف المؤتمر بالمسرحية. ودعونا نتفق على أن مؤتمر نيوريوك استمرار لجهد سابق، وبداية لآخر لاحق، فقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نوفمبر 2012، على الاعتراف الفعلى بفلسطين دولة ذات سيادة، من خلال رفع مستوى تمثيلها من صفة مراقب إلى دولة غير عضوة، فى العام الماضى فقط اعترف تسع دول بفلسطين ومنها ثلاث دول أوروبية بها، وفى سبتمبر الماضى، تم إطلاق تحالف دولى لحل الدولتين، الذى أطلقته السعودية والنرويج والاتحاد الأوروبى، كما أن التنسق والاتفاق على المؤتمر، بدأا أثناء زيارة الرئيس ماكرون للرياض ديسمبر الماضى، أما بعد المؤتمر، فهناك جهد مطلوب وتحركات مهمة لتنفيذ رؤية متكاملة، من خلال آليات للمتابعة من عدد من اللجان المعنية، مع رفع مستوى انعقاد المؤتمر الثانى، من المستوى الوزارى الذى كانت عليه اجتماعات نيويورك، إلى آخر نهاية شهر سبتمبر، على مستوى رؤساء الدول والحكومات، أثناء انعقاد أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة، والذى قد يشهد اعتراف عشر دول جديدة منها خمس دول أوروبية. الآمال لا تتوقف عند هذا الحد، فقد نجحت عملية طوفان الأقصى واستمرار العدوان الإسرائيلى، فى تغيير المزاج السياسى العام، فى العديد من الدول المهمة، التى مازالت تناور لرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مثل بريطانياوألمانيا، حيث يتعرض رئيس الوزراء كير ستارمر إلى ضغوط شديدة من الشارع، ومن داخل حكومته، لتغيير موقفه، أما ألمانيا فقد طالب 130 دبلوماسيًا فى الخارجية، باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل. أخيرًا، حل الدولتين، صراع بين إرادات إسرائيل، التى تتبنى مسار الإلغاء والتهميش، واعتبار أن إسرائيل الكبرى أمر توراتى، وبين إرادة دولية تزيد يومًا بعد يوم، باعتباره المسار الوحيد لتحقيق الاستقرار والأمن فى المنطقة.