لأننا أمام حادث استثنائى، فقد تعاملنا هنا على نفس المستوى، لم نختر شخصية سياسية فرضت نفسها على المشهد الأسبوع الماضى، لم نجد سوى يوسف الصفدى، الطفل الرضيع صاحب الأربعين يومًا، الذى مات جوعًا نتيجة الحصار الإسرائيلى لقطاع غزة، هو عنوان أو نموذج لعشرات الأسماء، واجهت نفس المصير، ومنهم على سبيل المثال الطفل عبد الحميد الفيومى، وأحمد حسنات، وعبد الحميد الغلبان صاحب ال14عامًا. وعودة من جديد إلى يوسف الصفدى، ونقول إرادة الله هى من جاءت به إلى الدنيا، ومشيته وراء صعود روحه إلى بارئه؛ لحكمة لا يعلمها سوى هو سبحانه وتعالى، لم تظهر له ملامح، لم تُقم له احتفالات أسرية، كما اعتادت ملايين الأسر فى أنحاء العالم، قد يكون ابن شهيد، أو فقد بعض إخوته مثلما عليه الحال لمئات الآلاف من الفلسطينيين، ولكنه عانى مع أمه التى لم تجد قوت يومه ويومها، ولم تحظَ برعاية أثناء ولادته، فليس هناك أسرّة فى مستشفيات غزة، ولا وجود لأدوية، منذ الحصار المفروض على غزة فى أكتوبر عام 2023، وتفاقمت المأساة مع منع دخول المساعدات منذ مارس الماضى، مع الإغلاق الكامل للمعابر، وإتمام حصار الجيش على القطاع.. يوسف الصفدى مجرد نموذج ل900 ألف طفل غزاوى يعانون الجوع و70 ألفًا دخلوا مرحلة سوء التغذية. حجم المأساة تجده على الأرض (رأى العين)، أو من خلال تقارير منظمات دولية محايدة لها باع طويل فى العمل والإغاثة الإنسانية، التى كشفت عن حقيقة ما يجرى، برنامج الغذاء العالمى أشار إلى أن ثلث سكان قطاع غزة لم يتمكنوا من تناول الطعام لأيام متوالية، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، إلى اعتبار ما يحدث بالأهوال التى لا مثيل لها فى التاريخ، وتبرأ منه ملك بلجيكا فيليب ليوبولدى ووصفه ب(عار على الإنسانية)، ولأن السجان أو المجرم والسفاح يفتقد الإنسانية، ولا يستطيع أن يتحول بين يوم وليلة إلى قديس، بل كل ما يستطيع (تبييض وجهه القبيح)، فقد اختارت واشنطن وتل أبيب أغرب حل، فبدلًا من السماح بمرور المساعدات الإنسانية، انحازا، منذ مايو الماضى، إلى فكرة مؤسسة غزة الإنسانية، التى تحولت إلى مصيدة للموت، ووصل عدد الضحايا إلى أكثر من ألف شخص، عند نقاط توزيع المساعدات. مأساة يوسف الصفدى مرشحة للاستمرار، مازال الشر هو من يحكم العالم، ويفرض سطوته على القرار الدولى، والأمل فى تصاعد صوت الحق، الذى يظهر فى جهود منفردة، أو من تزايد الرفض العالمى لما يحدث، ولعل آخر نموذج لذلك بيان ال 27 دولة منها بريطانيا، التى نددت بإسرائيل لحرمانها الفلسطينيين من كرامتهم الإنسانية.