قد تكون هذه المرة الأولى فى تاريخ العلاقات بين البلدين مصر والسعودية، أن يتضمن البيان المشترك، بعد الاجتماع الذى جمع الوزيرين بدر عبد العاطى والأمير بدر بن فرحان فى الأسبوع الماضى، فقرة كاملة، تتضمن (الرفض والاستهجان لأى محاولات يائسة من بعض المنصات الإليكترونية غير المسئولة، للمساس بالعلاقات التاريخية المصرية السعودية، أو الإساءة للبلدين الشقيقين، أو التشكيك فى صلابتها، مشددًا على (متانة هذه العلاقات الأخوية بينهما). جاءت هذه الفقرة بعد أخرى، نصت على أن الوزيرين استعرضا رصدًا لعمق العلاقات بين القاهرةوالرياض، خاصة فى السنوات الأخيرة، حيث شهدت تطورًا متسارعًا، وفقًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى والملك سلمان والأمير محمد بن سلمان ولى العهد، وكذلك الزخم الكبير والنقلة النوعية والتى تجسدت فى إنشاء مجلس التنسيق الأعلى، الذى يستهدف الارتقاء بمستوى التعاون بين البلدين على كافة الأصعدة، خاصة الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين البلدين. ولعل الشواهد خلال السنوات العشر الماضية، تكشف عن أن محاولات الوقيعة ليست جديدة ومتوقعة ومتكررة، وتجسد وجود ظاهرة كشفت عنها دراسات إعلامية مؤخرًا، عنوانها (التنمر السياسى عبر المحتوى الإعلامى)، ولكن البيان مؤشر للشعور لدى المستوى الرسمى، بخطورة ما شاهدته الحملات المغرضة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، مما استدعى ضرورة الرد على هذا المستوى، لوقفها والتعامل معها بجدية، والتدخل لوأد الفتنة، باعتباره الخيار الأفضل، بعيدًا عن تيار يطالب بالتجاهل وعدم إعطائها أكبر من حجمها، مع اليقين بأنها لا تعكس بأى صورة من الصور حقيقة تلك العلاقات، ولا يمكن النظر إليها كمؤشر، ولا تمثل ظاهرة، وهنا لا استبعد نظرية تورط (طرف ثالث)، فى محاولة تسميم أجواء العلاقات وإثارة فتن بين البلدين، لأغراض سياسية أو اقتصادية، فقد كشف التحليل الدقيق لكثير من الحسابات التى شاركت أو تصدرت الحملة الأخيرة، أن كثيرًا منها لا ينتمى فعليًا إلى أىٍ من الشعبين، وحتى الجزء اليسير فقد ساهم فى الأمر، بدون وعى، أو بحماسة تفتقد العقل، وبعيدة عن المنطق، أو حتى بحثًا عن شهرة، أو استجداء لإعجاب متابع عبر الفيس أو توتير. وحقيقة الأمر أن العلاقات بين القاهرةوالرياض، خرجت من التعاون إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، بدليل تعدد الزيارة على مستوى القادة، وآخرها زيارة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة فى أكتوبر الماضى، والتى سبقتها المباحثات الماراثونية التى أجراها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى إلى الرياض، كما أن هناك العديد من الأشكال المؤسسية للتعاون بين البلدين، سواء على المستوى الرسمى، أو مجتمع رجال الأعمال، ولعل أهمية الأخير أنه قرار ذاتى، منهم تحكمه مبادئ المصالح الاقتصادية المشتركة، فمجلس الأعمال المصرى السعودى قرر فى آخر اجتماع له، تشكيل أربع لجان فنية متخصصة، فى مجالات الصناعة والزراعة واستصلاح الأراضى، والتشييد والإعمار والسياحة، وكذلك التعاون بين أعضاء الغرف التجارية الصناعية فى البلدين، وكان آخر أنشطته فى أبريل الماضى، باستضافة منتدى شارك فيه 100 من كبار رجال الأعمال السعوديين، أعضاء فى اتحاد الغرف التجارية، لبحث فرص الاستثمار المشتركة، وتم الاتفاق على دورية مثل هذه اللقاءات، أما على المستوى الرسمى فهناك ثلاثة مستويات، الأول اللجنة المصرية السعودية برئاسة وزيرى التجارة، ولجنة المتابعة والتشاور السياسى برئاسة وزيرى خارجية البلدين، وكان آخر اجتماعه فى أبريل الماضى، وتم استحداث مجلس التنسيق الأعلى، الذى يمثل مظلة شاملة لتعميق العلاقات الثنائية، ودفع آفاق التعاون بينهما، فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتنموية والاستثمارية، وقد وافق على تشكيله الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مايو الماضى، بعد موافقة مجلس النواب عليه، وقد أثمر ذلك، أن السعودية شريك حيوى لدعم الاقتصاد المصرى فى مرحلة ما بعد 2014، وحتى الآن، من خلال مشاريع أو ودائع بقيمة أكثر من 10 مليارات دولار عبر صندوق الاستثمارات العامة السعودية، كما وصل حجم التبادل التجارى بين البلدين 4 مليارات دولار، ويحقق نموًا مضطرًا يتراوح ما بين 10 إلى 15 بالمائة، كما أن حجم الاستثمارات السعودية فى مصر يقدر ب 38 مليار دولار، بينما هناك المئات من الشركات المصرية تستثمر فى السعودية بأكثر من 5 مليارات دولار. ولن أتحدث عن مدى التنسيق بين البلدين ووجود إرادة سياسية بالتصدى لكل التحديات، التى تواجهها المنطقة وهى كثيرة، ووجود مشتركات فى التعاطى معها، ومنها على سبيل المثال للحصر، أمن البحر الأحمر، والقضية الفلسطينية والأوضاع الملتهبة فى العديد من الساحات العربية، فى السودان وليبيا، وحتى سوريا، فهى وقائع يومية معاشة. وأخيرًا، فالرهان هنا على قيادة البلدين بالأساس، والنخب الفكرية والإعلامية، التى عليها التدخل فى مثل تلك الحالات، وضبط زوايا الرؤية، فى ظل وجود مندسين ومتربصين، ينتهزون مثل هذه الفرصة، وقد يستلزم الأمر أيضًا، تنشيط قنوات غير رسمية للحوار، والدفع باتجاه حوار للنخب الفكرية والباحثين، فى إطار منتدى سنوى، للبحث فى قضايا يتم الاتفاق عليها، تهتم بأحد أبعاد العلاقات الثنائية.