فى تاريخ الشعوب لحظات فاصلة تغيّر المسار، وفى تاريخ مصر كانت 30 يونيو واحدة من تلك اللحظات النادرة التى يصنع فيها الشعب قدره بيده. لم تكن مجرد مظاهرة، ولا حركة احتجاج، بل كانت ثورة شعبية مكتملة الأركان، خرج فيها الملايين ليعلنوا رفضهم لمحاولات اختطاف الوطن، وتمسكهم بالدولة الوطنية وهويتها الجامعة. فى ذلك اليوم، خرج المصريون من كل فج، بلا ترتيب مُسبق، ولا دافع حزبى، ولكن بوحى من إحساس جماعى بالخطر، وبإيمان عميق أن مصر لا يمكن أن تُترك فريسة لفكر متطرف، أو مشروع ظلامى، أراد أن يعبث بجوهر الشخصية المصرية التى عُرفت عبر التاريخ بالاعتدال والوسطية والانتماء الحقيقى للأرض. 30 يونيو لم تكن ثورة على نظام فقط، بل كانت ثورة على الفكرة التى كادت أن تبتلع الدولة، ثورة على محاولة مصادرة التاريخ وتزييف المستقبل، على محاولات التقسيم والتكفير والتخويف، ثورة لأجل استعادة مصر التى نعرفها ونؤمن بها: مدنية، قوية، موحدة، تصون كرامة أبنائها، وتحمى مكانتها بين الأمم. لقد أثبتت هذه الثورة أن الشعب المصرى إذا شعر بالخطر، فإن قراره لا يُملى، وصوته لا يُصادر، وأنه قادر على تصحيح المسار مهما كانت الكُلفة. وكانت رسالة 30 يونيو للعالم واضحة: أن الشعوب لا تُحكم إلا بإرادتها، وأن الدولة المصرية عصية على الانكسار، مهما عُظمت المؤامرات أو تكالبت التحديات. واليوم، ونحن نستحضر هذه الذكرى، لا نحتفل فقط بيوم مشهود، بل نستدعى روحًا ما زالت تسكن فى ضمير كل مصرى. روح اليقظة، والإصرار، والتشبث بالثوابت الوطنية. ف 30 يونيو ليست مجرد تاريخ، بل قيمة باقية فى وجدان الأمة، تُذكّرنا دومًا أن مصر لا تُختطف، وأن صوت الجماهير هو الركيزة الأولى لحماية الأوطان.