العمل الجاد والمخلص، سيظل كما كان دائماً، هو قاعدة الانتقال المعمول بها فى كل الدنيا، ولدى كل الأفراد والشعوب والدول، للانتقال من الواقع السيئ، إلى واقع أفضل وأكثر تطوراً وإشراقاً. القاعدة الوحيدة التى يعرفها العالم كله ويؤمن بها البشر فى كل مكان.. هى أن العمل هو الوسيلة المؤدية للنجاح والتقدم للأفراد والمجتمعات والشعوب والدول. أعتقد أنه لا جديد فى القول بأنه لا شىء يمكن تحقيقه فى الحياة على هذه الأرض أو فى أى مكان آخر توجد فيه ثمة حياة، دون العمل من أجله بكل الجدية والإصرار،...، وأزيد على ذلك بالقول بأن هذا ليس قانون الحياة الدنيا فقط، بل هو أيضاً أساس الحساب فى الآخرة على الجانب الآخر من الحياة الدنيا، وهو ما تؤمن به وتنصُ عليه كل الديانات وكل القيم الإنسانية، التى تؤكد أن من عمل للخير يجده، ومن عمل للشر لا يحصد سواه. وأحسبُ أننا جميعاً على دراية يقينية بالقاعدة التى يعرفها كل العالم، ويدركها جموع البشر على مر التاريخ وتعاقب الأزمنة، التى تقول ببساطة، إن العمل هو الوسيلة الوحيدة المؤكدة لتحقيق الطموح الشخصى أو العام، وإنه الطريق الصحيح للانتقال بالأفراد والمجتمعات والدول والشعوب من دوائر التخلف أو الفقر، إلى دوائر النمو والتطور والتقدم والحداثة. قيمة العمل وإذا ما أردنا دليلاً حياً على ذلك، فعلينا أن ننظر بالتدقيق إلى مجموعة الدول الآخذة فى النمو بسرعة وكثافة، والتى انطلقت بالفعل خلال الآونة الأخيرة، وحققت معدلات مرتفعة من النمو المستمر والمتواصل، على مدى السنوات الثلاثين الماضية، مما جعلها بالفعل تنتقل إلى مصاف الدول المتقدمة ذات الثُّقل والوزن الاقتصادى والنوعى. وإذا ما دققنا فيما حدث فى تلك الدول، سواء فى الصين أو الهند أو كوريا أو غيرها، لوجدنا أن السر وراء الطفرة الكبيرة التى حدثت بها، وذلك التحول الإيجابى الملموس والواضح، يكمن فى الإيمان الكامل من جانبها بقيمة العمل، وانطلاقها القوى والسريع على طريق الإصلاح الاقتصادى، وتحرير آليات الاقتصاد والتصنيع بالذات، وإعطاء دَفعة قوية لكل المجالات الإنتاجية والخدمية،..، وفتح الطريق واسعاً أمام الاستثمارات المحلية والعالمية، والسعى بكل قوة وإصرار لنقل التكنولوجيا المتقدمة فى جميع المجالات الصناعية والزراعية، وإطلاق مبدأ المنافسة تحقيقاً لجودة المُنتَج المحلى، طبقاً لأحسن المواصفات العالمية، وأقل الأسعار، ولوجدنا أن وراء ذلك كله ومن قبله، يقف العمل الجاد والمنظم والكفء، كوسيلة أساسية لتحقيق الطموح على المستوى الفردى والجمعى، ولوجدنا أن ما تحقق من طفرة واضحة وتَقدُّم مؤكد فى هذه الدول على المستوى الاقتصادى بها، جاء نتيجة مباشرة للإعلاء من قيمة العمل والإصرار على زيادة الإنتاج والارتفاع بمستوى الجودة للمُنتَج. بل واعتبار العمل وجودته فريضة مقدسة لدى كل مواطن وكل فرد فى هذه الدول، بحيث أصبح السعى للإجادة والإتقان واكتساب المهارة والخبرة والكفاءة فى العمل وزيادة الإنتاج، من الأُسس والقواعد الرئيسة والأساسية لاحترام الفرد وتقديره، باعتبار أن تلك قيمة بالغة الاحترام والأهمية، وبالغة الدِلالة ومستوجبة التقدير الإيجابى المادى والمعنوى. ثقافة النجاح وفى هذا السياق، فإن ما يجب أن نعرفه، وأن يكون راسخاً فى أذهاننا جميعاً، أنه لا توجد دولة فى العالم أو مجتمع من المجتمعات المتقدمة والمتطورة، أو تلك الدول والمجتمعات البازغة، أى السائرة على طريق التطور والتقدم، إلا وكان العمل الجاد والمكثف، هو الطريق والوسيلة لهذا التقدم وذلك التطور. ويتواكب مع ذلك ويسير معه فى الوقت ذاته بكل تلك الدول، إيمانٌُ راسخ لدى جميع الأفراد، وجميع المواطنين، بأن الإنسان هو صانع مستقبله، وأنه المسئول الأول عما يحققه من نجاح وإنجاز فى حياته، وأن طريق النجاح والتقدم واضح ومعلوم، وهو السعى بكل جدية للتأهل والمعرفة واكتساب المهارة والكفاءة فى العمل والتخصص الذى اختاره، وبذل أقصى جهد للتفوق فيه والوصول للجودة الكاملة، والقدرة على الإبداع والابتكار أيضاً. من هنا، فإن ثقافة النجاح أو الرغبة فى النجاح، هى من الأعمدة الرئيسة التى يقوم عليها البناء الاقتصادى والاجتماعى، بحيث نجد أن كل شبل وكل صبى وكل مواطن من أبناء هذه الدول وتلك الشعوب يحلم بالنجاح، ويسعى لتحقيق هذا الحلم وتحويله إلى واقع، ويبحث جاهداً عن الطريق المؤدى لذلك ويسير فيه بكل قوة وعزم، ويعمل لأجله بكل الجدية والأمل والإصرار، وهو واثق من أنه يستطيع أن يصل إلى ما يريده، وأن يحقق ما يسعى إليه. بوابة الأمل وإذا كنا قد تحدثنا عن ركيزتين أساسيتين يقوم عليهما أى مشروع للنهضة الشاملة أو التقدم الاقتصادى فى جميع المجتمعات والدول الساعية للتقدم والهادفة للتنمية الشاملة، وهما قيمة العمل وثقافة النجاح،..، فإن هناك ركيزة ثالثة يجب أن نضيفها إلى هاتين الركيزتين، حتى تصبح الصورة واضحة والمنظومة متكاملة أمامنا جميعاً، وخاصة الشباب منا والأجيال الجديدة من أبنائنا الذين هم مستقبل هذا الوطن ومحط آماله وتطلعاته. وهذه الركيزة هى الإيمان الكامل بأن القطاع الخاص هو القاطرة الطبيعية المؤهَّلة لقيادة القطار الاقتصادى فى أى دولة وأى شعب، وأن المشروعات الخاصة هى بوابة الأمل فى التقدم، والوسيلة الفعالة لإتاحة فرص العمل الجاد والمثمر أمام الشباب، وهى أيضاً فى الوقت ذاته، الفرصة الذهبية المتاحة أمام هؤلاء الشباب لتحقيق آمالهم وطموحاتهم فى مستقبل أفضل، والنجاح فى الحياة على أرضية العمل الخاص والجهد والاجتهاد الشخصى، فى إطار منظومة العمل الحُر، وفى هذا الإطار لابد أن يكون واضحاً لكل الشباب، أن شباب الدول المتقدمة والعُظمى والأخرى الساعية على طريق التقدم، سواء فى الغرب أو الشرق أو غيرهما، ابتداء من الشباب الأمريكى فى جميع الولايات، أو الشباب البريطانى، أو الفرنسى، أو الإيطالى، وأيضا الألمانى والإسبانى وغيرهم.. وكذلك الشباب فى الدول المتطلعة على طريق التقدم والتطور الاقتصادى، سواء فى الهند أو كوريا أو ماليزيا أو غيرها، لا ينتظرون الوظيفة الميرى، ولا أحد منهم يجلس فى بيته ينتظر أن تأتى له الدولة أو الحكومة بوظيفة ميرى، أو فى أى مؤسسة أو شركة تابعة للقطاع العام أو قطاع الأعمال. بل الكل يسعى ويبحث ويؤهل نفسه لسوق العمل، ويُدرك باليقين أن العمل والمكان المناسب له ولغيره من الشباب، موجود بالفعل فى القطاع الخاص، شريطة أن يكون مؤهَّلاً له ومستعداً لإثبات كفاءته له واستحقاقه للحصول عليه، وإثبات نفسه فيه. القطاع الخاص ومجمل القول فى هذا الخصوص، هو التأكيد على الحقيقة التى باتت واضحة ومؤكدة لنا ولكل الدنيا، بأن الحل الدائم والمتاح لمشكلة البطالة أمام الشباب، سواء عندنا فى مصر، أو غيرها من الدول الساعية للتقدم والتنمية الشاملة والتحديث، هو القطاع الخاص والعمل الحُر. وفى الوقت ذاته، علينا الإدراك بأن النجاح فى القطاع الخاص ومجالات العمل الحُر يتطلب الإيمان الراسخ بضرورة التخلى عن كل القيم السلبية فى منظومة العمل، التى اعتدنا عليها فى القطاع العام أو العمل الحكومى، مثل بعض حالات التكاسل والإهمال وغياب الجودة والكفاءة، وغيبة التقدير الصحيح والعادل للأفراد،..، وعلينا أن نؤمن بأنه لا مجال للمحسوبية ولا الواسطة، بل إن المعيار الصحيح والأساسى الوحيد، هو الكفاءة والخبرة والالتزام والانضباط،..، وعلى أساس هذا المعيار تتحدد قيمة الفرد ومستواه المادى والمعنوى.