أهى حض صدفة أن تشهد القاهرة ظهر أمس احتفالية الدورة الأولى لمنح «جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع فى خدمة اللغة العربية» بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، وتحت رعاية أمينها العام أحمد أبو الغيط، وهى الجائزة التى تتعاون مؤسسة البابطين فى تنظيمها مع البرلمان العربي، بعد أن شهدت مصر قبل أكثر من 35 عامًا وبالتحديد مساء يوم 17 مايو 1989، حفل تأسيس جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى والأدبي، وتسليم جوائزها تحت رعاية وزير الثقافة المصري، آنذاك، الفنان فاروق حسني، وبحضوره هو ومانح الجائزة الشاعر العربى الراحل عبدالعزيز سعود البابطين، الذى أعلن فى كلمته أنه اختار القاهرة لانطلاق مشروع مؤسسته الخيرية على أرض الكنانة تقديرا لمكانة مصر فى وجدان العرب جميعًا، والأمر ذاته قام به ابنه سعود الذى خلفه فى رئاسة مجلس أمناء هذه المؤسسة، عندما أنشأ هذه الجائزة الجديدة لدعم لغة الضاد، وجاء إلى مصر وبصحبته عدد من أعضاء مجلس الأمناء، وأعضاء المجامع اللغوية العربية، ليشهدوا وقائع منح جوائز الدورة الأولى هنا فى القاهرة. وقد صرح سعود عبد العزيز البابطين أنه تحت مظلة التعاون الثقافى المشترك بين مؤسسته الثقافية والبرلمان العربي، أُقيمت صباح أمس الأربعاء السابع من مايو الحالى احتفالية عربية استثنائية لتكريم الفائزين بجائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع فى خدمة اللغة العربية، وذلك بمقر الأمانة العامة للجامعة بالقاهرة برعاية كريمة من الأمين العام للجامعة. وذكر سعود البابطين أن جائزة الإبداع فى خدمة اللغة العربية تم الإعلان عنها فى دورتها الأولى يوم31 مايو 2024، واستمر فتح باب الترشح لنيلها حتى 15 نوفمبر 2024، وقد خُصصت فى هذه الدورة لفرعين؛ الأول للأفراد فى مجال «الرقمنة فى خدمة اللغة العربية»،وقيمة جائزته أربعون ألف دولار أمريكي، وقد فاز بها حسن على مصطفى النحاس عن مشروعه «المُعجز فى حوسبة اللغة العربية»، والفرع الثانى للمؤسسات فى مجال «التخطيط والسياسات اللغوية»،وقيمتها ستون ألف دولار أمريكي، وقد فاز بها»مجمع الملك سلمان العالمى للغة العربية» عن مشروعه «مؤشر اللغة العربية». وقد جاءت النتائج بعد عملية تحكيم دقيقة أشرف عليها مجلس أمناء الجائزة بمشاركة نخبة من كبار الخبراء المتخصصين، لتأكيد قيمة الشفافية والمهنية التى أرادتها المؤسسة فى دعم اللغة العربية والارتقاء بمكانتها إقليميًا ودوليًا. كما عبّر محمد أحمد اليماحي، رئيس البرلمان العربي، عن اعتزازه بالشراكة مع مؤسسة البابطين، معتبرًا أن البرلمان يرى فى خدمة اللغة العربية رسالة سامية تجمع ولا تفرّق، وتعكس عمق الانتماء للعروبة والثقافة الجامعة، مؤكدًا أن هذه الجائزة الأحدث تمثل خطوة نوعية فى دعم مسيرة الإبداع اللغوى العربى المعاصرودفعها نحو المستقبل. وأوضح سعود البابطين، أن الجائزة تُجسد التزامًا راسخًا بحماية اللغة العربية وتعزيز استخدامها فى مجالات الفكر والعلم والإبداع، مشددًا على أن «اللغة العربية هى مرآتنا الحضارية، وذاكرتنا الجامعة، ووعينا المتجدد»، وأن هذا الاحتفاء يمثل امتدادًا لمسيرة من العطاء الثقافى الذى دأبت المؤسسة على مواصلته على امتداد عقود. وقد شهد الحفل حضور نخبة من الوزراء والمفكرين والأكاديميين والإعلاميين وأعضاء المجامع اللغوية والأكاديميين من مختلف أرجاء الوطن العربي، فى تظاهرة ثقافية تستعرض المبادرات الرائدة فى ميادين التعليم، والإعلام، والترجمة، والتقنية، إلى جانب كلمات كبار الشخصيات الثقافية والدبلوماسية. -- وتعود بى الذاكرة إلى مساء يوم الخميس 17 مايو 1989، لأستعيد كلمات صديقى الشاعر العربى الكبير عبد العزيز سعود البابطين التى قدم بها مشروعه الثقافى الخيرى من هنا من قاهرة الأزهر واستهلها مستشهدًا بقول الشاعر: «لو قيل لى تملك الدنيا بأجمعها ولا تكون أديبًا يحسن الأدبا لقلت: لا أبتغى هذا بذاك ولا أرى إلى غيره مستدعيًا إربا لجلسة مع أديب فى مذاكرة أنفى بها الهم أو استجلب الطربا أبهى إلىّ من الدنيا وزخرفها وملئها فضة أو ملئها ذهبا كانت حلمًا يدغدغ مشاعرى منذ صباى وقفتى هذه بينكم، فيشهد الله بأن لكم فى نفسي، وملء جوانحى ولمن سبقوكم من الأدباء الأفاضل، كل الإجلال والتقدير والاحترام والمحبة. إذ كنت أمنّى النفس فعلًا ومنذ صغري، وأنا أقرأ للزيات، والعقاد، والرصافي، والمازني، وفهد العسكر، والبارودي، والمنفلوطي، والأخطل الصغير، والشابي، ولغيرهم من شعراء العروبة وأدبائها. كنت أمنى النفس أن أقف بينهم أو بين من يرثونهم لأسهم بوضع لَبنَة على مرآى منهم ليرتفع صرح الأدب عاليًا فى وقت انحسر فيه المدّ الأدبي، بكل أسف، إلى أدنى مستوياته. ولعل هذا الانحسار هو الذى جعلنى أقارن بين حاضرنا الذى يؤكد جهلنا التام بتراثنا العظيم، وتجاهلنا المحزن له، وبين ما كان يحدث منذ عهد قريب. ففى بداية هذا القرن كانت القاهرة تعج بمنتديات الأدب والثقافة؛ وتحدثنا مجلة «الهلال» بأن رِقاع (بطاقة) الدعوة وزعت لحضور حفل إلقاء القصيدة العُمَريِة للشاعر حافظ إبراهيم.. قصيدة واحدة فكان عدد الواقفين أكثر من عدد المدعوين والجالسين على المقاعد! كان هذا عام 1917 رغم انشغال الناس- آنذاك- بمعرفة نتائج الحرب العالمية الأولى. وهذا هو ما جعلنا نفكر فى هذا الإسهام المتواضع من خلال إنشاء هذه الجائزة علنا نعيد بجهدنا بعض أمجاد الأدب العربي. إن تقدم الأمم يقاس بنوعية معطياتها للحضارة الإنسانية من نتاج، ولقد كان لإسهام العرب قبل قرون مضت، ولعدة قرون، الفضل الكبير فى رفد الثقافة العالمية بالكثير من الروائع، وعلى مختلف الميادين، ذلك العقل العربى هو العقل العربى اليوم، والمشاعر العربية هي.. هى لم تتغير، لكنها بحاجة إلى صقل عن طريق الحوافز التشجيعية والمنافسة الحرة الشريفة لتواكب مسيرة العطاء. فقد شهدت أيام الزهو تشجيعًا للشعراء، خاصة الأدباء بشكل عام، من قبل الخلفاء والأمراء والميسورين مما كان له الأثر الكبير فى تقدم عجلة الحضارة العربية، وكانت الأسواق الأدبية العربية تقام على أرفع المستويات فى «المربد» أو «عكاظ» فى عصر ما قبل الإسلام. وأتمنى أن يكون للمبادرات الخيرة التى يقوم بها- على قلتها- بعض أفراد أو هيئات ثقافية أثر فى رفع مستوى الأدب العربى إلى ما كان عليه فى سالف الأزمان. كما أتمنى مخلصًا أن تكون مثل هذه المبادرات نهجًا يتبعه القادرون ماديًا ممن أفاء الله عليهم بفيض للعمل على النهوض بأدبنا العربى من عثرته التى يعيشها اليوم. إن إقامة هذا المهرجان الأدبى بالقاهرة يعتبر تحية ود وإخاء من الكويت وأهل الكويت وفاء لكنانة العرب وعرفانا بالجميل لأدباء مصر ومثقفيها ومعلميها الذين قَدِموا إلى الكويت والخليج العربى منذ أكثر من نصف قرن ليسهموا فى دفع عجلة التعليم فى ظل ظروف معيشية كانت صعبة، بينما القاهرة عروس الشرق والعيش بها رغدًا. كما أشكر رابطة الأدب الحديث بالقاهرة ورئيسها د. محمد عبد المنعم خفاجى الذى تبنى فكرة الجائزة وقرر أن تحمل اسمى المتواضع، فشكرى له بكل جوارحي، ولا يفوتنى أن أتقدم بالشكر الجزيل والامتنان ل وزير الثقافة الأستاذ فاروق حسنى لر عايته هذا التجمع الأدبى الذى يدل دلالة لا تقبل الشك على اهتمامه بالأدب وأهله. وختامًا يسعدنى أن أقدم تهانى القلبية للفائزين بجوائز الدورة الأولى مؤكدًا لمن لم يفوزوا أنهم أيضًا قدموا لتراثهم ما نصبو إليه جميعًا، فإسهاماتهم هذه لها كل التقدير فى نفوسنا. ومن على هذا المنبر يسعدنى أن أدعو إخوانى وأخواتى فى الوطن العربى من محيطه إلى خليجه لأن ينضموا إلينا من خلال هذه الجائزة. رحم الله صديقى النبيل عبد العزيز سعود البابطين الذى عشق مصر واختارها لتكون مقرًا لمؤسسته الثقافية الخيرية.