يُعد الإمام علي زين العابدين عليه السلام أحد أعلام أهل البيت النبوي، وسليل الدوحة الطاهرة التي حملت مشعل الهداية والنور للأمة الإسلامية. اشتهر بلقب "السجّاد" لكثرة سجوده، وكان مثالًا للتقوى والورع والزهد، حتى وصفه فقهاء المدينةالمنورة بأنه "لم يكن في أهل البيت مثله". امتد نسبه إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، أما والدته فهي السيدة سلافة بنت يزدجر، آخر ملوك الفُرس. شكّلت حياته منعطفًا هامًا في التاريخ الإسلامي، فقد عاش في كنف النبوة، وشهد مآسي كربلاء، وكرّس حياته بعد ذلك لنشر العلم والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. في هذا التقرير، سنتناول بالتفصيل سيرته العطرة، ونسبه الشريف، وأوصافه، وأبرز مواقفه التاريخية، ودوره في الحفاظ على تراث أهل البيت، حتى وفاته عام 95 ه ودفنه في البقيع، بينما يرقد ابنه زيد في المقام الشهير بالقاهرة. 1- نسبه الشريف ونشأته وُلِد الإمام علي زين العابدين في السنة 38 ه، أي في آخر سنتين من حياة جده الإمام علي بن أبي طالب، وكان هو الذي سماه "عليًا" وأذّن في أذنه اليمنى وأقام الصلاة في أذنه اليسرى. فرح به جده كثيرًا، إذ علم أنه سيكون امتدادًا لذرية الحسين إلى يوم القيامة، ولذلك أصبح جدًّا للأشراف الحُسينيين في العالم الإسلامي. يرتبط نسب الإمام زين العابدين بملوك الفُرس من جهة والدته، حيث كانت سلافة بنت يزدجر، آخر ملوك الفرس، قد أُسرت خلال الفتوحات الإسلامية في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وحين قُدمت السبايا، رفض الإمام علي بن أبي طالب بيعهن، وأكد لعمر أن بنات الملوك لا يُعاملن كسائر الأسرى، فتزوجها الإمام الحسين وأنجبت له الإمام زين العابدين، الذي أصبح بذلك حلقة وصل بين العرب والفرس في نسبه. 2- نشأته العلمية والتربوية نشأ الإمام علي زين العابدين في كنف عائلته الطاهرة، حيث تلقى العلوم الدينية منذ صغره: في عمر 4 سنوات: أخذه عمه الإمام الحسن رضي الله عنه وبدأ بتحفيظه القرآن الكريم وتعليمه الأحاديث النبوية. في عمر 17 سنة: زوّجه والده من بنت الإمام الحسن، "أم عبد الله"، التي أنجبت له الإمام محمد الباقر وعبد الله. بعد وفاة زوجته الأولى: تزوج من "أم ولد" التي أنجبت له زيد بن علي المدفون في القاهرة، بالإضافة إلى أبناء آخرين مثل علي، عمر، عبد الله، خديجة، فاطمة، وعلية. 3- الإمام زين العابدين في كربلاء كان الإمام زين العابدين حاضرًا في واقعة كربلاء عام 61 ه وهو ابن 23 عامًا، لكنه كان مريضًا في الفراش، فلم يستطع القتال بجانب والده الإمام الحسين وأهل بيته. بعد استشهاد والده، حاول شمر بن ذي الجوشن قتله لإنهاء نسل الحسين، إلا أن عمته السيدة زينب تصدت له وقالت: "أما يكفيك ما فعلت بذرية محمد صلى الله عليه وسلم؟ إن أردت قتل ابن أخي، فاقتلني قبله!" تراجع ابن زياد عن قتله، ونجا الإمام زين العابدين من المجزرة ليحمل إرث أبيه وجدّه في الدعوة إلى الله وتعليم الأمة. 4- رحلته إلى مصر ثم عودته إلى المدينة بعد كربلاء، أُسر الإمام زين العابدين وأُخذ إلى الكوفة ثم دمشق، قبل أن يُطلق سراحه. دخل مصر مع عمته السيدة زينب وأخواته (فاطمة النبوية، سكينة، حورية) عبر قرية العباسة في محافظة الشرقية في أول شعبان سنة 61 ه، لكنه لم يمكث طويلًا هناك، بل عاد إلى المدينةالمنورة واستقر فيها حتى وفاته. 5- صفاته وأخلاقه كان الإمام زين العابدين يتميز بمظهره الجميل وأخلاقه الرفيعة: أوصافه الجسدية: نحيف الجسد، أسمر اللون، يميل إلى القِصر، جميل الوجه كأبيه الحسين، له أسنان بيضاء ناصعة، وكان يخضب لحيته بالحناء. ملابسه: كان يرتدي عمامة بيضاء ويُرخى لها العذبة من الخلف، ويمشي بتواضع شديد كأنه سيسقط على الأرض من شدة ورعه. اقرأ أيضا| ضمن خطة شاملة لإرث مصر الإسلامي.. مسجد السيدة نفيسة في ثوب جديد نظام حياته: كان قليل الأكل والشرب، يعيش على التمر والماء، ويُعرف بزهده الشديد. رحمته بالفقراء: وُجدت خطوط سوداء على ظهره بعد وفاته، وعندما سُئلت أسرته عن ذلك، قالوا إنه كان يحمل الطعام على ظهره ليلًا ويوزعه على الفقراء والمساكين في المدينة، وكان يكفل 150 أسرة فقيرة بنفسه. 6- دوره في حفظ الإسلام ونشر العلم بعد كربلاء، كرّس الإمام زين العابدين حياته لنشر العلم والتربية الروحية، وساهم في الحفاظ على تراث أهل البيت من خلال: تدوين الصحيفة السجادية: التي تُعد كنزًا من الأدعية والتعاليم الروحية والأخلاقية. تعليم تلاميذ كُثر: مثل الزهري، سعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم، الذين نشروا علمه في المدينةالمنورة. نشر ثقافة السجود والدعاء: حتى لُقّب ب"زين العابدين" لكثرة عبادته وتقواه. 7- وفاته وإرثه توفي الإمام زين العابدين في المدينةالمنورة سنة 95 ه ودُفن في البقيع، أما المقام الشهير في القاهرة، فيُقال إنه يضم رفات ابنه زيد بن علي. يُعد الإمام علي زين العابدين عليه السلام منارةً للهداية والإيمان، حيث جسّد الأخلاق الإسلامية في أبهى صورها، وصبر على المحن والابتلاءات، واستطاع أن يحفظ تراث أهل البيت من خلال علمه ودعائه وأعماله الخيرية. بقيت سيرته منارة يستلهم منها المسلمون دروسًا في العبادات، والتقوى، والإحسان إلى الناس، فكان بحق "زين العابدين" و"باب أسرار أهل البيت".