في مشهد غير مألوف، اجتاز الوشق المصري الحدود بين مصر وإسرائيل، ليهاجم جنودًا إسرائيليين، مما أثار ردود فعل متباينة بين الدهشة والفضول حول هذا الحيوان المفترس الذي كان ذات يوم رمزًا للقوة والحماية في الحضارة المصرية القديمة. هذه الحادثة فتحت الباب للتساؤل عن تاريخ هذا الحيوان، وأهميته في الأساطير المصرية، ودوره في التوازن البيئي. اقرأ أيضا| «موجود من أيام الفراعنة».. لماذا هاجم الوشق المصري جنود الاحتلال؟ فكيف انتقل الوشق من كونه رمزًا مقدسًا في المعابد إلى كائن بري يثير الجدل في العصر الحديث؟ الوشق في الحضارة المصرية القديمة.. رمز للحماية والقوة 1. مكانة الوشق في الديانة المصرية القديمة منذ آلاف السنين، كان الوشق حاضرًا في الفن المصري القديم، حيث صوّره الفراعنة على جدران المعابد والمقابر باعتباره كائنًا مقدسًا يرمز إلى القوة واليقظة والحماية، وفقًا مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، فقد ارتبط الوشق بالإله "رع"، حيث اعتُبر تجسيدًا لمعاركه ضد قوى الفوضى والظلام، خاصةً في مشاهد قتل الأفاعي، التي تعكس انتصار الخير على الشر. ويضيف شاكر: أن "الميثولوجيا المصرية لم تقتصر على الآلهة البشرية فقط، بل كان للحيوانات دور رئيسي في التصورات الدينية، وكان الوشق أحد هذه الرموز التي جسّدت الصراع الأبدي بين النور والظلام". 2. ظهور الوشق في الفنون والآثار يمكن العثور على رسومات للوشق في معابد عين شمس، حيث كان يُصوَّر وهو ينقض على أفعى ضخمة تحت شجرة "الإيشد"، في إشارة إلى حماية النظام الكوني من الفوضى. كما استُخدم الوشق في الحياة اليومية كمصدر للحماية، حيث كانت العائلات المصرية القديمة تربيه بالقرب من المنازل والمخازن لمنع انتشار القوارض والثعابين. الوشق بين الأسطورة والواقع 1. الوشق في النصوص الفرعونية في بعض النصوص المصرية القديمة، وُصف الوشق بأنه "حارس البوابات"، حيث قيل إنه يقف عند مداخل العالم السفلي ليحمي أرواح الفراعنة من الشرور. هذا الاعتقاد جعل تربيته أمرًا شائعًا بين النبلاء، ورفعت مكانته إلى ما هو أبعد من مجرد حيوان بري. 2. كيف نظر المصريون إلى الوشق؟ لم يكن الوشق مجرد حيوان صيد، بل كان يحمل دلالات رمزية تعكس الذكاء، والسرعة، والقدرة على التكيف المصريون القدماء لاحظوا مهاراته في الصيد، وقدرته على القفز لمسافات طويلة، ما جعله مثالًا للقوة والتركيز. الوشق المصري في العصر الحديث.. مفترس أم ضحية؟ 1. التهديدات التي تواجه الوشق اليوم على الرغم من مكانته التاريخية، إلا أن الوشق المصري اليوم يواجه العديد من التحديات، مثل: الصيد الجائر بسبب فرائه الثمين. تدمير بيئته الطبيعية بسبب التوسع العمراني والزحف الصحراوي. التغيرات المناخية التي أثّرت على وفرة فرائسه. وفقًا للدكتور عبد الناصر أحمد حسين، أستاذ علم الحيوان بجامعة جنوب الوادي، فإن الوشق أصبح مهددًا بسبب تراجع المساحات الطبيعية التي يعيش فيها، مما يجبره على الاقتراب من المناطق المأهولة، وهو ما يفسر الحوادث الأخيرة. 2. حادثة تسلل الوشق إلى إسرائيل في حادثة غير متوقعة، تمكّن وشق مصري من العبور إلى إسرائيل، مهاجمًا جنودًا، ما أثار نقاشًا حول سبب خروجه من بيئته الطبيعية. يرى الخبراء أن هذا قد يكون ناتجًا عن اضطرابات في النظام البيئي، حيث لم يعد الوشق يجد غذاءً كافيًا في موطنه الأصلي. يعلق الدكتور عبد الناصر على هذه الواقعة قائلًا: "هذه ليست مجرد مصادفة، بل هي علامة على وجود خلل بيئي. الوشق اضطر إلى الانتقال للبحث عن الغذاء، مما يعكس الحاجة الملحّة للحفاظ على التنوع البيولوجي." خصائص الوشق المصري وسلوكه في البرية 1. البيئة الطبيعية والتكيف يُعرف الوشق بقدرته العالية على التكيف مع البيئات القاسية، من الصحارى إلى الجبال والغابات. يتميز بفرائه الكثيف، الذي يساعده على تحمل درجات الحرارة المرتفعة في النهار والبرودة الشديدة في الليل. 2. أسلوب الصيد والهجوم يمتلك الوشق حواسًا قوية، خاصةً الرؤية الليلية والسمع الحاد، مما يجعله صيادًا ماهرًا. من أبرز تكتيكاته في الصيد: القفز لمسافات تصل إلى 3 أمتار للانقضاض على الفريسة. الاختباء ثم المباغتة بدلًا من المطاردة الطويلة. استخدام مخالبه القوية للإمساك بالفريسة بإحكام. 3. النظام الغذائي يتغذى الوشق على الثدييات الصغيرة، والطيور، والزواحف، وحتى الثعابين، مما يجعله جزءًا أساسيًا في التوازن البيئي، حيث يحدّ من انتشار القوارض التي قد تسبب أضرارًا زراعية. أهمية الوشق في التوازن البيئي 1. دوره في النظام البيئي يلعب الوشق دورًا رئيسيًا في الحفاظ على التوازن البيئي، حيث يمنع انتشار الحيوانات الضارة، مثل الفئران والأفاعي. إذا انقرض هذا النوع، فقد نشهد زيادة في أعداد القوارض والثعابين، مما قد يؤثر سلبًا على المحاصيل الزراعية والبنية البيئية ككل. 2. جهود الحفاظ على الوشق نظرًا لخطورة الوضع، أطلقت بعض الجمعيات البيئية مبادرات لحماية الوشق المصري، من بينها: إنشاء محميات طبيعية لحمايته من الصيد الجائر. إطلاق حملات توعية بأهمية الحفاظ عليه كجزء من التراث الطبيعي المصري. تعزيز التعاون بين المؤسسات البيئية والجهات الحكومية لضمان بقائه. الوشق المصري.. أسطورة لم تنتهِ بعد يبقى الوشق المصري أحد أبرز الحيوانات التي تجمع بين التاريخ والأسطورة والطبيعة. فقد كان يومًا رمزًا مقدسًا في مصر القديمة، ثم عاد اليوم ليُصبح محور جدل بيئي ومعاصر بعد حادثة اجتيازه الحدود. وبينما يواجه هذا الحيوان تحديات كبيرة تهدد بقاءه، تظل الحاجة إلى حمايته وصون إرثه الطبيعي أمرًا ضروريًا لضمان استمراريته في البيئة المصرية. فهل سنرى في المستقبل مبادرات أقوى لإنقاذ هذا الحيوان الفريد؟ أم سيظل الوشق مجرد ذكرى منقوشة على جدران المعابد القديمة؟