مع احتمالية عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2025، يجد العالم نفسه أمام تحدٍ جديد يتمثل في إعادة التفكير في طبيعة العلاقات الدولية تحت مظلة السياسة الأمريكية. ووفق تقرير ل«مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» الأمريكي فإن هذه العودة قد تُعيد الولاياتالمتحدة إلى نهج "أميركا أولاً"، الذي يحمل طابعًا مميزًا من البراغماتية المعاملاتية، حيث تضع المصالح الأمريكية في المقام الأول، وتجبر الحلفاء على إعادة النظر في أسس شراكتهم مع واشنطن. ورغم ما قد يبدو من غموض في سياسات ترامب، فإن تعاملاته مع الحلفاء والشركاء تتسم بأنماط أكثر وضوحًا مما يُعتقد. فترامب لا يخفي توقعاته بأن يتحمل الشركاء مسؤولياتهم ويدفعوا نصيبهم العادل مقابل الحماية التي توفرها الولاياتالمتحدة. "ادفعوا".. فلسفة ترامب في التعامل مع الحلفاء وتكرر خطاب ترامب حول تحمل الحلفاء مسؤولياتهم المادية، ففي 10 فبراير الماضي خلال حملته الانتخابية في ولاية ساوث كارولينا، استشهد بمحادثة مع زعيم إحدى الدول الكبرى قائلًا: "إذا لم تدفع وهاجمتك روسيا، فلن أحميك، عليك أن تدفع فواتيرك". هذا النهج يعكس فلسفة ترى في العلاقات الدولية نوعًا من المقايضة، حيث تقدم الولاياتالمتحدة الحماية مقابل الوفاء بالالتزامات المالية، ففي سياق حديثه عن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أوضح ترامب موقفه قائلًا: "لقد تعرضنا للخداع من الدول الأوروبية سواء في التجارة أو في الناتو، إذا لم تدفعوا، فلن نحميكم"، وفق حديثه في 10 سبتمبر الماضي خلال المناظرة الرئاسية بينه وبين منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. فلسفة التجارة.. "الاتحاد الأوروبي يعاملنا بعنف" ففي مقابلة نشرتها «بلومبرج» 16 يوليو الماضي، انتقد ترامب مرارًا وتكرارًا ما يصفه بالاختلال في التوازن التجاري بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي مقابلة مع بلومبرج، صرح: "لدينا عجز تجاري مع الاتحاد الأوروبي يتجاوز 200 مليار دولار، نحن نأخذ منتجاتهم بالملايين، بينما لا يقبلون إلا القليل من منتجاتنا". هذه التصريحات تكشف رؤية ترامب للتجارة كمعادلة ينبغي أن تكون متوازنة لصالح الولاياتالمتحدة، ما يعني ممارسة المزيد من الضغوط على الشركاء التجاريين لإعادة صياغة الاتفاقيات بما يتماشى مع المصالح الأمريكية. تايوانوكوريا الجنوبية وألمانيا.. شركاء أم عبء؟ ترامب لا يخفي اعتراضه على الإنفاق الأمريكي الموجه للدفاع عن دول غنية مثل كوريا الجنوبية وألمانيا. وفيما يتعلق بتايوان، صرح قائلًا: "تايوان تستحوذ على 100% من أعمالنا في الرقائق الإلكترونية. ينبغي عليها أن تدفع لنا مقابل الدفاع عنها. نحن لا نختلف عن شركات التأمين"، وفق مقابلة نشرتها «بلومبرج 16 يوليو». وهذا الموقف يتماشى مع معارضة ترامب القديمة لنشر القوات الأمريكية في الخارج بدون مقابل مادي يُرضي المصالح الأمريكية. "منطقة الأمان" و"منطقة الخطر" بحسب البيانات الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن ترامب يميل إلى تصنيف الحلفاء بناءً على معيارين: هما نسبة الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي، والعجز أو الفائض التجاري مع الولاياتالمتحدة، حيث لإن الحلفاء الذين ينفقون أكثر من 3% من ناتجهم المحلي على الدفاع وليس لديهم فائض تجاري مع الولاياتالمتحدة يُصنَّفون في "منطقة الأمان"، أما الحلفاء الذين لا يلبون هذه المعايير، فهم في "منطقة الخطر"، ما يجعلهم عرضة لانتقادات ترامب وضغوطه. إعادة تشكيل العلاقات الدولية وتضع عودة ترامب العلاقات الدولية أمام واقع جديد تتصدره المصالح المالية والاقتصادية، ففي عالم ترامب، الشراكة ليست مبنية على القيم المشتركة أو التحالفات التقليدية، بل على مبدأ المعاملة بالمثل، ما يجعل الحكومات في مختلف أنحاء العالم أمام خيارين: إما التكيف مع هذه الفلسفة أو مواجهة تبعاتها السياسية والاقتصادية.