وفق آخر دراسة أصدر الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، تقرير قال فيه إن 15.2٪ من حالات الطلاق عام 2023 فقط لسيدات فوق 45 عاماً وقد ترتفع النسبة فى الإحصائية القادمة لعام 2024، وهى ظاهرة تستحق التوقف عندها كثيراً، خاصة فى تلك السن التى من المفترض أن الزوجين قد وصلا فيها إلى النضوج، وعاشا من الزمن ما يكفى لأن يفهم أحدهما الآخر، إضافة إلى أن الطلاق فى مثل هذا العمر كان نادرا.. فى هذا التحقيق نستمع إلى قصص بعض الحالات، لنتعرف على الأسباب، ونستطلع رأى الخبراء لتحليل الظاهرة ومحاولة التغلب عليها. تحكى منة عبدالسلام عن خالتها فاطمة صاحبة الوجه الذى يشبه القمر والطباع الهادئة والتى يحبها كل من يعرفها، وتقول: إنها تزوجت وهى صغيرة، وتنقلت للعيش مع زوجها فى العديد من الدول العربية وكانت تعمل مدرسة، إلا أن المشاكل لم تفارقهما أبداً.. وأضافت: تحملت خالتى خياناته العديدة من أجل تربية بناتها، وباتت تعيش معه مثل الغريبة، لا تجمع بينهما علاقة، وفى الغالب لا يتحدثان إلا فى أضيق الحدود، كل منهما يعيش فى غرفته بعيداً عن الآخر ويتناول وجباته بمفرده. كانت تنتظر حتى ينام لتدخل الحمام، أو تتناول الطعام، فلم تكن تستطيع التحرك فى الشقة طوال فترة وجوده خارج غرفته، وتطور الشقاق بينهما إلى أن أصبح كل منهما مسئولاً عن احتياجاته، لا يستخدم أشياء الآخر، لدرجة أنها كانت تهمس فى التليفون عندما تحدث إحدى بناتها أو أحداً من أقاربها أو صديقاتها حتى لا يسمعها.. وتابعت: تخطت خالتى الخمسين من عمرها عندما قرر أن يتزوج عليها، هنا كان لها وقفة وطلبت منه الطلاق وقررت أنها لن تتحمل هذه الحياة بعد الآن، فطردها من المنزل، ولم يكن لديها أى مكان آخر تعيش فيه، فاستأجر لها بناتها وأقاربها شقة صغيرة، وساعدوها قدر استطاعتهم.. وبعد مرور أشهر قليلة توفيت وهى تستعد لصلاة الفجر، ماتت فجأة رغم أنها لم تكن تشتكى من أى مرض، وقالت ابنتها: ماتت قهرا بسبب ما فعله والدها معها، ولكن على الأقل عاشت آخر أيامها فى راحة بعيداً عنه. طلاق لاستعادة الكرامة وتحكى منال عبد الرحمن -55 عاماً- قائلة: إنها أصرت على الطلاق من زوجها بعد أن مر على زواجهما أكثر من 30 عاماً واطمأنت على مستقبل أبنائها بأن أتموا تعليمهم وتزوجوا واستقروا فى حياتهم، بسبب سوء معاملته لها وإهاناته لها طوال الوقت بينهما وأمام أولادها وحتى وسط التجمعات العائلية وفى حضور أشخاص غرباء عنهم.. سلسلة من الإهانات قررت منال أن تكمل ما تبقى فى حياتها بدونها وتعيش بكرامتها، وتقول: «تعبت من الإهانة وعدم الاحترام، الحمد لله أنا أنهيت رسالتى مع أبنائى ووصلتهم لبر الأمان، جه الوقت اللى أعيش فيه حياتى اللى ضاعت من غير كرامة، ومستحيل أندم على هذا القرار، بالعكس أنا أستحق أعيش بحرية من غير تحكمات وإهانة». طلاق مع وقف التنفيذ أما مريم منير -50 عاماً - فتقول: إن زوجها قدم على لجوء لكندا وهاجر وتركها مع طفلين ولد وبنت، منذ أكثر من 10 سنوات بعد أن عرض عليها أن تهاجر حتى يستفيد من الأموال التى يحصل عليها مقابل زيادة عدد أفراد الأسرة، وعقاباً لها على الرفض قرر عدم الإنفاق عليها أو على أولاده الذين رفضوا بدورهم السفر معه وهم يقولون له: «لن نغادر مصر التى أتى إليها المسيح لنعيش فى بلد آخر، ده المسيح جه هنا علشان يحتمى فى مصر، دى مصر بلد الأمان». وأضافت مريم: «ومنذ ذلك الوقت لا يعلم عنا شيئاً ولا يتكفل بأى شيء من مصروفاتنا، ولا أجد عملاً نظراً لتقدمى فى العمر، وعندما أحاول الالتحاق بوظيفة يفضلون الفتيات الصغيرات فى السن، الشيء الوحيد الذى كان فى مصلحتى أنه لم يستطع إخراجى من الشقة لأنها من ممتلكات والدى.. ونظراً إلى صعوبة الطلاق فى الديانة المسيحية فهى لا تزال على ذمته ولكنهما منفصلان تماماً، بعد أن باعها وباع أولاده من أجل الأموال. وضع صعب يقول د. حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق: إن السيدة غير الحاضنة أى التى يكون أولادها تجاوزوا سن الحضانة، واختاروا الإقامة مع أبيهم بدلاً منها بعد بلوغهم السن القانونية، ليس لها حق فى الشقة من الناحية القانونية، وتقع مسئولية رعايتها وتوفير مكان لإقامتها على الأبناء. وأضاف: «إذا قررت الزوجة أن تطلب الطلاق ففى هذه الحالة تعيش مع أبنائها إن كانوا كباراً، وكل ما يُفرض على طليقها نفقة العدة والسكن فى فترة العدة وحقوق قليلة». ويقر د. حامد بأن الوضع صعب ولكن طالما أبناءها قادرون على الكسب ، فحق هذه المرأة فى الرعاية أصبح من مسئولية أولادها لأن ابنها أو ابنتها مكلفون شرعاً برعايتها، وفى حال اختيار الأبناء العيش مع والدتهم بعد الانفصال فالوالد مُكلف فى هذه الحالة بالسكن والنفقة للأولاد ولكنه غير مُلزم بأى شيء تجاه الزوجة. القانون فى صف الرجل ويوضح رضا البستاوى المحامى بالنقض: أن القانون حدد سن 15 عاماً للأبناء يقررون بعدها مع من يريدون العيش الأب أو الأم، أما إذا استمرت حضانة الطفل مع والدته فإن الأب فى هذه الحالة ملزم بالإنفاق على الأم وتوفير مكان للمعيشة.. وأضاف: النفقة مستمرة من الأب للأبناء لا تسقط حتى يستطيع الصغير كسب المال، وليست مرتبطة بالسن، ولكن الزوج لا يكون مسئولاً عن أم أبنائه بعد الطلاق فى حال اختيار الأبناء العيش معه. ويستطرد قائلاً: «فى حال طلاق الأم فى سن متأخرة، وكان أبناؤها متزوجين أو غير متزوجين ولكنهم بلغوا السن القانونية وقادرين على الكسب وفى المقابل ليس لديها مكان تعيش فيه أو مصدر تنفق منه على نفسها يحق لها أن ترفع دعوى نفقة على أبنائها، ففى هذه الحالة هى ملزمة منهم وليس على طليقها أى التزامات».. ويشير إلى أن المرأة المطلقة الكبيرة فى السن إذا فقدت رحمة أبنائها ولم يراعوها بعد انفصالها عن والدهم هنا تكمن المشكلة الكبيرة، تشعر أن عمرها ذهب هباء وأنها فشلت فى تربيتهم، وبالطبع هى ليست قاعدة، فلكل شخص ظروفه الخاصة وهناك أبناء غير قادرين على الإنفاق سوى على أطفالهم. الكرة فى ملعب «النواب» وتشير مارجريت عازر الوكيل السابق للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، إلى أنهم فى المجلس القومى للمرأة قدموا اقتراحاً حول مشكلة طلاق السيدات فى سن متأخرة يفيد بأن السيدة التى تعيش مع زوجها أكثر من 15 عاماً وطُلقت ولم تكن حاضنة يحق لها الاحتفاظ بمنزل الزوجية أو يكون طليقها ملزماً بتوفير مسكنٍ لها يناسب مكانتها بالإضافة لتوفير معاشٍ من زوجها طالما أنها لا تستطيع الزواج.. وأضافت عضو المجلس القومى للمرأة: «هناك اقتراح آخر بأن توفر الدولة بيوتاً مخصصة للمطلقات فوق السن وخرجوا من الحضانة والنفقة على غرار دور المسنين مجانية لغير القادرات، ويجب تبنى هذا الأمر وإصدار تشريع ينص على تنفيذ الاقتراحين»، وحتى الآن تتم مناقشة الاقتراحات فى مجلس النواب ولم يتم الإقرار بتنفيذها». وتختتم: «الأمر فى غاية الأهمية، لأن الزوجة عندما تنفصل عن زوجها فى عمر الخمسين أو الستين غالباً يكون والداها توفاهما الله وليست حاضنة .. وفرص العمل تقريباً أمامها منعدمة، وحتى إذا حصلت على معاش من والدها لن يكون لديها الإمكانية لتوفير مسكن تعيش فيه، ونتمنى أن يناقش مجلس النواب الأمر وتشريعه من أجل حماية المرأة المطلقة المتقدمة فى العمر». سن اليأس السبب وترى د. سهير الدمنهورى أستاذ علم الانثربولوجيا ورئيس قسم الاجتماع الأسبق بكلية الآداب جامعة حلوان: أن المرأة قديماً كانت تحتاج لسندٍ بجوارها، وهو ما كان يجبرها على قبول أى وضع، مثل الست أمينة التى تحملت سى السيد بكل تصرفاته، وأمينة ليست نموذجاً للست الساذجة، ولكن لأنها تعلم أنه يوم خروجها من بيت والدها لن تعود له إلا زائرة فقط فهى لا تملك أى خيار آخر سوى التأقلم مع الوضع الذى تعيشه، فقديماً حتى لو كان الطلاق برغبة الزوج وكانت الزوجة مظلومة ومغلوبة على أمرها فالمجتمع دائماً يعيب عليها فقط ويحملها الذنب.. أما فى السبعينيات والثمانينيات بدأت المرأة تطالب بحقوقها ومساواتها بالرجل، وصدر قانون الأحوال الشخصية المُعدل، هنا شعرت بأنها حصلت على حقوقها وأن هناك قانوناً يُنصفها، ويدعمها.. وتضيف: «هناك الكثير من النساء لديهن القدرة على تحمل حياتهن التى لا تُطاق لحين وصول الأبناء لبر الأمان، وإتمام دراستهم وحصولهم على وظائف ومنهن من تنتظر حتى يتزوج أبناؤها»، هنا تقول لنفسها «كفى، لن أكمل هذه الحياة حتى لو تبقى أقل القليل فى عمرى، أريد أن أعيشه فى سلام». وتوضح د. سهير: «السلام لن يعم على هذه المرأة بعد الطلاق إلا إذا كان لديها استقلالية مادية وتمتلك دخلها الخاص وقادرة على تأمين احتياجاتها، لأنه لن يكون لها أى حقوق مادية لدى طليقها فى هذه السن فيما عدا نفقة المتعة وهى مبلغ ضئيل جداً.. إلا حالات قليلة لا تمتلك أى دخل وتصر على الطلاق رغبة منها فى التمتع بمعاش والدها المُتوفى وتنفق منه على نفسها». وفى حال رفض الزوج الطلاق لرغبته فى أن تعيش معه لتلبى طلباته وتُؤمن له كل ما يحتاجه بحيث يستفيد منها بأى شكلٍ من الأشكال، فتقوم هى برفع دعوى خلع فى محكمة الأسرة، فلم يعد الخلع مقتصراً على الشابات فقط فكبار السن أيضاً يطالبن به أحياناً. وتشرح: «المرأة فى مرحلة سن اليأس تعانى من اضطرابات عقلية ونفسية بشكل كبير، وغالباً ما يكون هذا هو السبب الرئيسى لإقبال السيدات على اتخاذ قرار الطلاق، وليس الجانب الاجتماعى والعلاقات العاطفية التى تموت بين الزوجين هى التى تسبب الانفصال، فالعامل البيولوجى فى غاية الأهمية ومن أكثر مسببات الطلاق، وسن اليأس خطير جداً، وتعانى منه المرأة أكثر من معاناة الرجل فهو مرتبط بانقطاع دورتها الشهرية مع بداية دخولها عمر الخمسين، وهناك بعض السيدات تبدأ مبكراً عن هذه السن وسيدات أخريات يتأخرن عنه ويستمر على الأقل 5 سنوات». وتؤكد أن طلاق المرأة فى هذا العمر يعتبر ظاهرة لم تكن موجودة من قبل، لكن النساء ممن يرغبن فى الطلاق تكون لديهن أسبابهن الكافية، إما خيانات لم تعد قادرة على تحملها، أو معاملة سيئة وإهانة، أو عدم اهتمام أو بخل وما إلى ذلك من الأمور التى تؤثر فى الحالة النفسية للمرأة وتدفعها لطلب الطلاق، والاستقلال المادى للمرأة جعلها قوية القلب قادرة على الوقوف فى وجه الطوفان، ولديها قدرة هائلة على التكيف مع أى وضع، وحتى لو لم يكن لديها عمل فهى قادرة على خلق عملٍ تكسب منه ما يُؤمن لها حياتها وتنفق منه على نفسها، وهو وضع أفضل لها فى حال لم تكن خاسرة.