لن أغرق فى التفاصيل، حول طبيعة رد حزب الله، على اغتيال تل أبيب، لأحد أهم قادته العسكريين، التى حملت اسم (عملية الأربعين)، أو الضربة الاستباقية التى زعمت إسرائيل أنها نفذتها، ولا يهمنى أيضاً ادعاءات نتنياهو وتفاخره، بأن قراره نتج عنه تدمير آلاف الصواريخ، أو كلام حسن نصر الله عن استهداف الحزب لعدد من المواقع، أهمها قاعدة ميرون حيث يقع مقر الموساد ووحدة تابعة للمخابرات العسكرية، فكلها أمور تبدو صغيرة تجاه البحث عن سؤال مصيرى يتعلق بالمدى الزمني، الذى تستطيع المنطقة تحمل مثل هذه المواجهات، فلا يمكن ترك الأمور فى المنطقة، واندلاع حرب إقليمية، خاضعة لسوء تقدير من أى من طرفى الصراع، أو بقرار متعمد من أى منهما، يرى فى مصلحته ذلك، رغم أن معركة شاملة ستكون صعبة ومدمرة لكل الأطراف بلا استثناء، حتى لدول المنطقة التى ليست طرفاً فيه، ويبدو أن نتنياهو جاهل بالتاريخ حتى بالقريب منه، مغرم بالانتصارات الصغيرة، إذا اعتبرناها كذلك، ولم يدرس بعناية شديدة القرار الكارثى الذى اتخذه ذات يوم فى عام1982وزير الدفاع فى ذلك الوقت إرييل شارون، باجتياح لبنان واحتلال العاصمة بيروت، وكان القرار (كالزلزال)، وجاء عكس اتجاه سير الأحداث، فالمنطقة سادها نوع من التهدئة بعد عقد اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل، ومثل (حماقة سياسية)، (وقصر نظر استراتيجي)، حركه ثأر شخصى بينه والزعيم الشهيد ياسر عرفات، ونجح شارون مرحلياً، فى إجبار قوات منظمة التحرير الفلسطينية للخروج من لبنان، وذهب أبو عمار إلى تونس، وقواته إلى اليمن فى ديسمبر من العام التالي، ولكن توابع زلزال غزو بيروت مازالت كارثية على إسرائيل، مازالت تدفع أثمانها حتى الآن، فعلى الصعيد اللبناني، ظهر حزب الله كمقاوم للاحتلال فى نفس العام، خاصة وأن شارون أبقى قواته فى جنوبلبنان، حتى نجح الحزب فى تحريره عام 2000، وعلى الصعيد الفلسطينى لم تنته المقاومة، بل نقلت عملياتها وثقل المواجهات للداخل، فى قطاع غزة والضفة والقدس، وبدأت بانتفاضة الحجارة عام 1987، وبعدها بعام وفى أغسطس تم الإعلان عن تشكيل حركة حماس، ووصلت المواجهات إلى طوفان الأقصي، والتى شهدت صموداً من فصائل المقاومة من أكتوبر الماضي. ولأن الليلة لا تشبه البارحة، فقد جرت وقائع عديدة غائبة عن النخب الحاكمة فى تل أبيب، التى لا تقرأ التاريخ ولا تستفيد من وقائعه، ولا تعى خطورة دخول ساحات جديدة إلى المواجهة، بعد أن اقتصرت فى الماضى على لبنان وفلسطين، حيث انضم إليها اليمن والعراق وسوريا، برعاية خاصة من إيران، التى اختلفت كثيراً عما كانت عليه، بعد انتهاء الحرب مع العراق فى نهاية الثمانينيات، وتحولت إلى رقم صعب فى معادلة الصراع، ويتفادى قادة إسرائيل الإجابة على سؤال مهم، إلى أى مدى يتحمل الشعب الإسرائيلى تبعات هذا الصراع؟، خاصة وأن الفلسطينيين أثبتوا صمودها أسطورياً، فى النضال من أجل استقلاله وإقامة دولته، ولم يستسلم، رغم وصول حصيلة العدوان أكثر من40 ألف شهيد، وإصابة حوالي93 ألف فلسطيني، ونزوح حوالي90 بالمائة من سكان القطاع، ومع تهرب نتنياهو من التهرب من الإجابة ، فالوقائع على الأرض كاشفة، فوفقاً لبيانات سلطة السكان والهجرة فى إسرائيل، فقد وصلت الهجرة العكسية بعد طوفان الأقصى أكثر من نصف مليون، وهذا هدم لفكرة إقامة الدولة ذاتها، يضاف إلى ذلك الضغوط التى يمثلها تهجير أكثر من100ألف من سكان البلدات الإسرائيلية على الحدود مع لبنان، وكلفتها السياسية والاقتصادية، خاصة وأن وعود الحكومة بعودتهم إلى منازلهم فى فبراير الماضي، ذهبت أدراج الرياح، مع سيناريوهات مفتوحة على كافة الاحتمالات. وأخيراً، فإذا كان شارون دفع ثمن خطيئته، بالإجبار على الاستقاله، فالعجيب أن نتنياهو، يسير فى مخططه بالذهاب بالمنطقة إلى حرب إقليمية، مدعوماً بارتفاع شعبيته فى الشارع، وهذا هو قمة التناقض.