فى قاع البحر حكايات وألغاز، أسرار لا يعرفها أحد، محاولات كثيرة لمعرفة تفاصيلها لكن حتى الآن لم يُكشف بعد عن كثير من تلك الأسرار. وفى البحر الأحمر تزداد الحكايات، خاصة مع عمل كثير من الأهالى فى المهن المرتبطة بالبحر، بل واقتحام النساء أيضًا لمهن كانت حكرًا لفترات طويلة على الرجال ومن بينها: الغطس. ولأن للبحر علومًا فقد أسس معهد علوم البحار فى الغردقة ليصبح رحلة علمية عبر الزمن، كما تم أيضًا تأسيس مكتبة علوم البحار وهى بحق كنز معرفى لا مثيل له فى الشرق الأوسط، فى قاع البحر الأحمر الكثير والكثير من الأسرار التى لم تكشف الأيام عنها بعد، نحاول فى هذا التحقيق إظهار بعضها. فى أعماق البحار والمحيطات، تختبئ كنوز طبيعية نادرة، تسحر الأنظار وتأسر القلوب. هذه الكائنات البحرية التى تتراوح من القروش الوادعة إلى عرائس البحر الجميلة، تعيش بين أمواج الماء الزرقاء كجزء لا يتجزأ من توازن البيئة البحرية. لكن فى خضم هذا الجمال، تواجه هذه الكائنات تهديداتٍ خطيرة تقربها من حافة الانقراض. الدكتور أحمد وهب الله نائب مدير معهد علوم البحار بالغردقة يقول: القرش الحوتى الضخم فى مياه البحر الأحمر يظهر بشكل متكرر بالقرب من مرسى علم، ليشكل حدثاً استثنائياً لعشاق الحياة البحرية. هذا العملاق اللطيف، المعروف باسم «بهلول»، يعد واحداً من أكبر الأسماك الغضروفية التى تسكن المحيطات. وأضاف وهب الله : على الجانب الآخر، تعيش السلاحف البحرية فى سلام نسبى فى المياه الدافئة، وتقوم برحلات طويلة عبر المحيطات. لكن هذه الكائنات الرائعة، مثل: «الترسا البحرية»، تواجه مخاطر متعددة تهدد وجودها. أما «عروس البحر»، أو كما يُعرف ب «الدوجونج»، فيقول الدكتور محمود معاطى الباحث بمعهد علوم البحار: إنها من الثدييات البحرية المهددة بخطر الانقراض نتيجة غياب الوعى البيئى. وتابع معاطى: فى مساعى حماية هذه الكائنات، يعمل خبراء البيئة على نشر الوعى وتثقيف الصيادين ومرتادى مياه البحر الأحمر حول أهمية الحفاظ على هذه الأنواع. اقرأ أيضًا | المهندس حازم الأشمونى محافظ الشرقية: لا مكان لفاسد أو مهمل أو مقصر | حوار القلعان وشرم اللولى.. ملاذ اللاجئين إلى الطبيعة ..طيور ونباتات نادرة.. وحطام السفن الغارقة يجذب السياح تعتبر شواطئ مرسى علم بمثابة جواهر خفية على ساحل البحر الأحمر، حيث تجمع بين جمال الطبيعة وسحر البيئة البحرية المتنوعة. ومن أبرز هذه الشواطئ: شاطئا القلعان وشرم اللولي، اللذان يتميزان بتنوعهما البيئى وجمالهما الأخاذ. على بُعد حوالى 350 كيلومترًا جنوب مدينة الغردقة، يقع شاطئ القلعان، الذى يُعدّ بمثابة «مالديف البحر الأحمر» بفضل رماله البيضاء الناعمة ومياهه الصافية. القلعان ليست مجرد شاطئ، بل هى موطن لغابات المانجروف المعمرة، التى تُعد بيئة مثالية للعديد من الكائنات الحية، سواء كانت بحرية أو برية. تُعد المنطقة وجهة مثالية لمحبى الاستكشاف، حيث يمكنهم الاستمتاع بالغوص فى مياهه الغنية بالشعاب المرجانية أو قضاء الوقت فى التخييم تحت سماء مليئة بالنجوم. وعلى بعد أكثر من 250 كيلومترًا من الغردقة، يقع شاطئ شرم اللولي، الذى يُوصف غالبًا بأنه «قطعة من الجنة». هذا الشاطئ المذهل يقع ضمن محمية وادى الجمال، ويتميز بتنوعه البيئى الفريد. الرمال المسطحة والمياه النقية تجذب آلاف الزوار سنويًا، حيث يجدون فى هذا المكان الهادئ فرصة للاستمتاع بالسباحة والغوص بين الشعاب المرجانية والأسماك الملونة. الدكتور محمود حنفي، أستاذ علوم البحار بجامعة قناة السويس، يشير إلى أن شرم اللولى يمتاز بوجود مساحاتٍ شاسعة من نبات المانجروف وأنواع مختلفة من الطيور المستوطنة والمهاجرة. توفر هذه البيئة الفريدة تجربة غوص استثنائية، بعيدًا عن التيارات المائية القوية، مما يجعلها مثالية للمبتدئين والمحترفين على حد سواء. ويصف محمود عبد الله، مدرب غوص ومقيم فى البحر الأحمر، كيف أن حطام السفن الذى كان مصدرًا للرعب فى الماضي، تحول مع مرور الوقت إلى مغامرة مثيرة تجذب محبى الغوص من جميع أنحاء العالم. يقول عبد الله: «الغوص على حطام السفن فى مثلث أبو نحاس هو تجربة استثنائية؛ حيث يجد الغواصون أنفسهم فى مواجهة مع بقايا سفن ضخمة، غارقة منذ عقود، تحكى كل واحدة منها قصة مختلفة». من بين السفن الغارقة الشهيرة فى هذه المنطقة، نجد السفينة «إس إس كارناتيك»، التى غرقت عام 1896، والسفينة «كيمون إم» التى لقيت مصيرها عام 1978، بالإضافة إلى السفينة «أولدن» التى غرقت عام 1987، وغيرها من السفن التى تروى قصصًا مليئة بالتشويق. ويؤكد سيد مرزوقي، عضو جمعية المحافظة على البيئة، أن هذه السفن تعد مقابر بحرية غامضة، حيث لا يمكن ممارسة الغوص فيها إلا بعد اجتياز اختبارات صارمة والحصول على شهادات غوص متقدمة. حسن الطيب، الرئيس السابق لجمعية الإنقاذ البحري، يوضح أن الغوص فى حطام السفن الغارقة فى «مثلث أبو نحاس» أصبح بديلاً شيقًا للغوص التقليدى على الشعاب المرجانية. يقول الطيب: «تمنحنا هذه المغامرات تجربة مختلفة، حيث يواجه الغواصون تحدياتٍ جديدة ومثيرة». الغطاسة منى فريد: تعلمت حمل الأثقال لممارسة المهنة فى عالم تغمره الأمواج والقصص التى لم تُروى بعد، تتخطى مدربة الغوص منى فريد الحواجز والتحديات لتغوص فى أعماق البحار، وتكشف لنا عن أسرار الكائنات البحرية والآثار الغارقة. ما يميز رحلة منى ليس فقط عشقها للبحر، ولكن شجاعتها وإصرارها على اقتحام مجالٍ كان يظنه البعض مقتصراً على الرجال. فى هذا الحوار الشيق، تأخذنا منى فى رحلة عبر أمواج حياتها، كاشفة لنا عن بداياتها، والتحديات التى واجهتها، والمغامرات التى عايشتها تحت الماء. بدايةً ما الذى جذبكِ إلى مهنة الغوص؟ وكيف بدأتِ فى هذا المجال؟ كان حب استكشاف الآثار الغارقة بجانب عشقى للكائنات البحرية هو ما دفعنى لتعلم رياضة الغوص. كنت دائماً مفتونة بما يمكن أن تخبئه أعماق البحر من أسرار، وهذا الشغف قادنى لأتعمق أكثر فى هذا المجال. هل واجهتِ تحدياتٍ فى البداية؟ وكيف تجاوزتيها؟ فى البداية، واجهت صعوبة بسبب الاعتقاد السائد بأن الغوص مهنة تخص الرجال فقط. لكن مع مرور الوقت، أثبت لهم أن الأمر مختلف، وأصبحوا يشجعونني. كانت التعليقات المتعلقة بصعوبة حمل بعض المعدات من أكبر التحديات التى واجهتها، مما دفعنى لممارسة رياضة حمل الأثقال لأتمكن من حمل الأوزان الثقيلة دون طلب المساعدة. كيف ترين دور النساء فى رياضة الغوص اليوم مقارنةً بالماضي؟ سابقاً، كان المجال محصوراً على الرجال والأجنبيات، ولكن اليوم نشهد وجود العديد من المدربات المصريات اللاتى يقدمن أداءً مميزاً ومهارة عالية. هذا التطور يعكس قدرة النساء على التفوق فى هذا المجال، بل وتجاوز أداء الرجال فى بعض الأحيان. ما الأساليب التى تتبعينها فى تدريب الغواصين؟ وهل لديكِ فلسفة فى التدريب؟ أتبع نهج «الأمان أولاً»، سواء لنفسى كغطاسة أو فى تدريبى للآخرين. أشارك أيضاً فى تدريس الراغبين فى الحصول على شهادة مدرب ضمن منظمة بادي، حيث أحرص على أن يكون الأمان فى المقدمة وأؤكد على ضرورة الحفاظ على البيئة البحرية. هل لديكِ تجارب مميزة تتذكرينها أثناء تدريب الغواصين؟ نعم، أتذكر تدريب السيدات والأطفال الذين يشعرون بأنهم لن ينجحوا فى بعض المهارات. ومع التدريب المناسب، يتمكنون من أداء المهارات بسهولة، ويُبدل عبوس وجوههم بضحكات فرح. ما وجهة الغوص المفضلة لديكِ؟ مدينة مرسى علم بكل تفاصيلها هى المفضلة لديّ. ومع ذلك، يبقى موقع الفنستون قريباً إلى قلبي، بفضل شعابه المرجانية الفريدة ووجود العديد من فصائل القروش البحرية، وخاصة قرش المطرقة. كيف تتعاملين مع الحالات الطارئة أثناء الغوص؟ واجهت العديد من الحوادث الطارئة، مثل: سوء الرؤية تحت الماء أو الأحوال الجوية السيئة. فى مثل هذه الحالات، تساعدنى مهارات الإنقاذ فى التعامل مع المواقف الطارئة وإنقاذ الغطاسين. دائماً ما أحرص على اتباع إجراءات السلامة القصوى، حتى لو استلزم الأمر إلغاء الغوص تماماً للحفاظ على سلامة الجميع. كيف تساهمين فى حماية البيئة البحرية من خلال عملك؟ البيئة البحرية هى أساس رياضة الغوص، وبدونها تفقد الغوص قيمته. لذلك، أحرص على تعليم المتدربين أهمية الحفاظ على البيئة منذ البداية وحتى مستوى المدرب. أشارك أيضاً فى حملات تنظيف تحت الماء، وأجد متعة كبيرة فى هذه الأنشطة. كيف ترين مستقبل رياضة الغوص؟ وهل هناك تقنيات تثير اهتمامكِ؟ أعتقد أن مستقبل الغوص واعد جداً، خاصة مع تطور الغوص التقنى الذى يسمح بالغوص لأعماق أكبر واكتشاف المزيد من الحياة البحرية. أنا مهتمة جداً بجهاز مكرر النفس، الذى كان يُستخدم قديماً للغوص التقنى فقط، ولكنه الآن أصبح خفيف الوزن وسهل الاستخدام. يسمح بالبقاء تحت الماء لفترة أطول مع استهلاك أقل للغاز، ويتيح اقتراباً أكبر من الحياة البرية دون إصدار فقاعات مزعجة. هل لديكِ قصص ملهمة من تجاربك كمدربة غوص؟ من أكثر القصص تأثيراً كانت مساعدتى لشخص ضرير على الغطس، حيث قال لى إنه تعلم منى الكثير، لكنه لا يدرك أنه هو من علمنى الكثير عن الصبر والإرادة وحب الحياة. ما النصيحة التى تقدمينها للراغبين فى تعلم الغوص؟ الغوص رياضة تؤثر على الروح، حيث تمنحك الشعور بالطفو والانعزال عن ضغوط الحياة. لتتغلب على أى قلق، يجب أن تتلقى تدريباً مناسباً وتحرص على الدقة والسلامة، ولا تتردد فى سؤال المختصين. من الفهم يأتى الاطمئنان. القروش.. مغامرات مشوقة وتحذيرات ضرورية تتمتع مياه البحر الأحمر بثروة بحرية متنوعة تشد انتباه عشاق الغوص ومحبى الحياة البحرية. ومن بين الكائنات البحرية المثيرة للإعجاب، تبرز أنواع القروش المختلفة التى تعيش فى هذه المياه الدافئة. وعلى الرغم من التنوع الكبير فى أنواع القروش، فإن القروش تشكل جزءًا مهمًا من النظام البيئي، ورغم أنها تضيف لمسة من الإثارة، فإن بعضها يمكن أن يكون خطيرًا. فى هذا التقرير، سنسلط الضوء على بعض الأنواع المثيرة للاهتمام من القروش فى البحر الأحمر. فى أعماق البحر الأحمر، تتناغم مجموعة واسعة من أسماك القرش، بدءًا من القرش المحيطى، وصولاً إلى القرش النمر الشرس الذى يتميز بجسمه المخطط. أما قرش أبو مطرقة، فيلفت الأنظار بشكله الفريد، فى حين يبرز القرش الثعلب بفضل ذيله الطويل. وفى جنوبالبحر الأحمر، توجد أماكن مثل: شعاب ركى وسان جون والفينستون وجزر الأخوين وجزيرة أم قمر، التى تجذب السياح الراغبين فى مشاهدة القروش عن قرب. وعلى الرغم من أن القروش تعتبر جزءًا أساسيًا من البيئة البحرية، فإن الحذر واجب خاصةً عند التفاعل معها. يجب أن يكون الغواصون على دراية بالتحذيرات المتعلقة بأنواع القروش، لضمان تجربة آمنة وممتعة، هذا العالم البحرى الساحر الذى يجمع بين الجمال والمغامرة. وأضاف معاطى: أنه من الضرورى السباحة بانسيابية وهدوء، وتجنب إحداث ضوضاء أو رش المياه، لأن القروش كائنات فضولية تجذبها الحركات المائية غير الطبيعية. «القراض».. أخطر الأسماك السامة فى مياه البحر الأحمر الصافية، تعيش أنواع كثيرة من الأسماك التى تُعد مصدرًا غذائيًا آمنًا ولذيذًا. ومع ذلك، توجد بين هذه الأنواع سمكة تتميز بخطورتها الفائقة وسمها القاتل الذى يهدد حياة الإنسان، وهى سمكة القراض. تُصنف هذه السمكة كواحدة من أخطر الأسماك السامة فى العالم، وهى محظور صيدها أو بيعها فى الأسواق نظرًا لخطرها على صحة البشر. ويشير حسن الطيب، رئيس جمعية الإنقاذ البحرى وحماية البيئة، إلى أن «سمكة القراض تحتوى على سم قاتل تصل قوته إلى أكثر من 1200 مرة من سم السيانيد. إن كمية السم الموجودة فى جسم السمكة الواحدة كافية لقتل 30 شخصًا دفعة واحدة، ولا يوجد ترياق لهذا السم.». وأضاف الطيب: «أنه فى اليابان، يُحظر على الإمبراطور تذوق هذا النوع من الأسماك نظرًا لخطورتها الكبيرة على حياته، وهو قانون لا يزال ساريًا حتى الآن». وتشير التقارير إلى أن سمكة القراض قد استوطنت فى البحر المتوسط بعد افتتاح قناة السويس، مما زاد من انتشارها وخطورتها. فى عام 1945، تناول ثمانية صيادين فى مدينة السويس سمكة قراض، مما أدى إلى وفاة ثلاثة منهم بعد ساعات قليلة. وفى حادثة أخرى، لقى ثلاثة أشخاص حتفهم فى منطقة «الجمشة» شمال الغردقة بعد تناولهم هذه السمكة. وعلى الرغم من خطورة سمكة القراض، إلا أن بعض الصيادين فى مدينة السويس يعشقون تناول لحمها ويطلقون عليها اسم «الأرانب». يمتلك هؤلاء الصيادون خبرة كبيرة فى التعامل مع هذه السمكة، حيث يقومون بإزالة الجلد والأحشاء والرأس والكبد والمناسل والسلسلة الفقرية بحذر شديد، ثم يغسلون اللحم جيدًا بماء جارٍ قبل طهيه. ويحذر الدكتور بدوى سعيد من تناول هذه الأسماك دون التأكد من تنظيفها بطريقة سليمة، حيث يمكن أن يؤدى تناولها إلى الوفاة. تشمل الأعراض المبكرة للتسمم : تنميل الجسم وآلاماً فى الصدر والرأس، وشعوراً بالوخز فى اللسان والشفتين، والضعف والدوخة. وفى الحالات المتقدمة، قد تنخفض حرارة الجسم وضغط الدم، وقد يحدث قيء وإسهال، وربما يدخل المريض فى حالة غيبوبة. وفى السياق ذاته، تنتمى أسماك الدرمة والشكعة إلى نفس عائلة سمكة القراض، وتتميز أيضًا بأنها سامة. إذا تم تناولها، يجب تشجيع الشخص على التقيؤ والذهاب بسرعة إلى أقرب مستشفى أو مركز طبى لتلقى الإسعافات الأولية. كما يُنصح بزيارة أحد مراكز السموم فى حالة الاشتباه بالتسمم.