الصمت يعم أرجاء قاعة محكمة جنايات كفر الشيخ، ينتظر الجميع دخول القاضي ليصدر حكمه الفاصل في قضية القتل التي جاءت جلساتها لتعيد الآهات والذكريات الأليمة، المتهم يقف في قفص الاتهام، وأهل الطالب الضحية، الذي فقد حياته بلا ذنب يجلسون داخل القاعة، تتطاير شرارة الحقد بين الطرفين، فجأة يدخل رئيس المحكمة ويعتلي منصة القضاء وبجواره باقي الهيئة.. يقف الجميع احترامًا لرمز العدالة، مشهد يتخلله القلق والترقب، الكل ينتظر النهاية، الحكم الذي يثلج القلوب، ويصدر القاضي حكمه بإعدام المتهم.. لتعم الفرحة قاعة المحكمة، الأم تبكي تارة وتضحك تارة أخرى، فالقضاء أنصفها وأعاد حق نجلها الذي فقد حياته وهو في بداية شبابه.. هذا آخر مشهد من تلك القصة المأساوية.. في السطور التالية نسرد الحكاية من البداية وحتى النهاية، ولماذا دفع الطالب الجامعي حياته ثمنًا؟، وماذا فعلت والدته بعد سماع الحكم؟! الحكاية بدأت منذ 20 عاما، داخل بيت بسيط بمنطقة سخا، التابعة لمحافظة كفر الشيخ؛ حيث نشأ بطل قصتنا، عبدالله عزت، الطالب الجامعي الذي يبلغ من العمر 19 عاما، هو أول فرحة لأسرته الصغيرة، يعيش مع والده ووالدته وشقيقين صغيرين، أسرة بسيطة تعيش حياة هادئة طبيعية، الأب يعمل ليلا ونهارا ليكسب قوت يومه بالحلال، عبدالله كان طالبا متفوقا، دخل الجامعة، والدته تعد الأيام والليالي تنتظر لحظة تخرجه وعمله وتفرح به عريسا، لكن هناك من استكتر عليها حلمها البسيط؛ استيقظت الأم المسكينة على كابوس مفزع، بدأ من لحظة اختفاء ابنها وانتهى بالعثور عليه جثة غارقا في دمائه، فماذا حدث؟، ومن قتله؟، وأي ذنب ارتكبه لتكون هذه نهايته؟! التخطيط للجريمة والد عبدالله لديه توك توك يعمل عليه، يساعد به اسرته في مصاريف البيت، وفي تلك الليلة شعر بتعب شديد ولم يعد قادرا على العمل، فطلب منه عبدالله أن يخرج هو بدلا منه. خرج عبدالله باحثًا عن لقمة عيشه، استقل معه شاب يدعى»علي. م»، طلب منه توصيله عند خاله، وأثناء سيرهما طلب منه أن يدخل من الطريق الزراعي، لكن خاف عبدالله لأنه طريق مظلم ولا أحد فيه، فأخبره المتهم أنه ليس لديه أي أموال وكان سيحاسبه خاله عندما يصل إليه، فأخذ رقم هاتف عبدالله وأخبره أنه سيحضر له الأموال، ووافق الشاب المسكين، لم يدر أن المعروف الذي قدمه سيجد الغدر مقابلا له. ففي تلك الليلة لم ينم المتهم، بعدما سيطر الشيطان على عقله، وبدأ يخطط لجريمته، وهي أن يقتل الشاب المسكين ويسرق منه التوك توك ويبيعه ليخرج من أزمته المالية التي يمر بها، اختمرت الفكرة في ذهنه واكتملت، وانتظر لحظة التنفيذ. يوم 14 يوليو 2023م، خرج عبدالله لليوم الثاني بدلا من والده مستقلا التوك توك ليكسب قوت يومه، اتصل به المتهم وأخبره أنه يريد أن يعطيه حق توصيلة الليلة الماضية وأن يقله لمكان ما، فوافق عبدالله، وأثناء سيرهما في الطريق، أخرج المتهم من بين ملابسه كتر وذبح الضحية من رقبته، لكن ظل عبدالله يقاوم ويتوسل له أن يتركه يعيش ولن يبلغ أحد عنه، لكن المتهم في تلك اللحظة خلع قلبه ووضع مكانه قطعة من الحجارة وبكل قسوة ظل يطعنه ولم يتركه إلا وهو جثة هامدة، ثم سرق التوك توك وهاتفه المحمول، وعاد لبيته وكأنه لم يرتكب أي جرم، خلع ملابسه الملطخة بالدماء ووضعها داخل كيس بلاستيكي ودفنها في أحد الأماكن، اعتقد أنه بذلك أفلت من العقاب وأن جريمته لن تنكشف، لكن فاق من أحلامه الوردية ورجال المباحث يدقون بابه للقبض عليه. محضر غياب تأخر عبدالله عن العودة للبيت، اتصل به والده فوجد هاتفه مغلقا، بدأ القلق يسيطر عليه، ووصل إلى أقصى درجاته عندما أشرقت شمس يوم جديد ولم يعد عبدالله للبيت، فلم يكن أمام الأب المسكين سوى تحرير محضر باختفاء نجله في ظروف غامضة. يومان كاملان والأسرة تبحث عنه في كل مكان، حتى عثر عليه أحد الأشخاص بالصدفة ملقى على حافة إحدى الترع، وأبلغ الشرطة، وتأكدت أسرته أنها جثة عبدالله، حالة من الحزن والصدمة سيطرت على الأسرة، يسألون من فعل هذا بابنهم؟، وأي ذنب اقترفه وهو شخص مسالم وليس لهم أي عداوات مع أحد.. أسئلة كثيرة محيرة جاءت تدق أبواب عقولهم، ولكن لم يحتاروا كثيرا، فرجال المباحث اجابوا على كل هذه الأسئلة، بعدما تمكنوا من إلقاء القبض على المتهم، والذي اعترف بتفاصيل جريمته كاملة. تولت المحامية ميادة صبحي الدفاع عن حق المجني عليه، قالت: «المتهم اعترف اعترافًا تفصيليًا بجريمته ومثل الجريمة ، فقال إنه سبق أن استقل التوك التوك الخاص بالمجني عليه، ويعرفه معرفة جيدة، ونظرًا لمروره بضائقة مالية، اختمرت في رأسه فكرة سرقة التوك التوك الخاص بالمجني عليه، وما أن شاهده، يسير به في أحد أحياء مدينة كفر الشيخ، طلب توصيله إلى «مكان نائي»، في نهاية مدينة كفر الشيخ، الطريق الدولي، في المنطقة الواقعة بين القنطرة البيضاء، وكفر عسكر، فقام المتهم بإيقاف المجني عليه، والاستيلاء على هاتفه، والتوك التوك الخاص به، ومبلغ مالي بسيط من متحصلات العمل بالتوك التوك مشهرا سلاحا أبيض فقاومه المجني عليه، وعندها أصابه المتهم في رقبته بجرح قطعي وطعنات متفرقة في البطن والظهر، خشية افتضاح أمره، ثم ألقى جثة المجني عليه في مياه ترعة كفر عسكر، المجاورة للزراعات في أطراف منطقة القنطرة البيضاء التابعة لمدينة كفر الشيخ، وتخلص من الهاتف المحمول، ثم باع التوك توك بمبلغ 7 آلاف جنيه، وتمكن رجال المباحث من إلقاء القبض عليه وإحالته للجنايات، وجاء الحكم العادل الذي أثلج قلوب أسرته وهو إعدام القاتل، فنحن كنا على ثقة بالقضاء العادل وأن حق هذا الطالب المسكين سيعود». بعدما سمعت والدته حكم الإعدام، انتابتها مشاعر مختلطة ما بين الفرح والحزن، الفرح لأن ابنها حقه عاد وسيرتاح في قبره كما قالت، والحزن لأن ابنها فلذة كبدها لم يعد بينهم في الحياة، وبعدما خرجت من المحكمة أسرعت لقبره لتبشره بالحكم، فوقفت أمام قبره وهي ترتدي الملابس السوداء وبجوارها أصدقاء الضحية، يقرأون له الفاتحة تقول بدموع عينيها: «ربنا يعوضك خير يا عبدالله ..الناس كلها النهارده كانت بتقولي مبروك واللي هيصبرني شوية إن حقك رجع.. أنت بعيد عني بس في قلبي ولا عمري هنساك». اقرأ أيضا : بسبب علاقة محرمة مع حماته.. المشدد 10 سنوات لقاتل زوج بنت شقيقته بالمنوفية