عصام عطية المايسترو كما يطلقون عليه الذى أمتعنا بأفلام مهمة فى تاريخ السينما المصرية يعلن اعتزاله، الذين أدهشهم وأغضبهم القرار لم يلاحظوا أن داوود يجلس فى بيته منذ 7 سنوات بعد فيلمه الأخير اقدرات غير عادية 2015، فأين كانوا ومخرجنا الكبير محكوم عليه بالاعتزال الإجبارى، وهو أمر ليس جديداً على داوود، فبعد فيلمه مواطن ومخبر وحرامى 2001، ورغم ما حققه من نجاح تجارى ونقدى، فإنه ابتعد تسع سنوات كاملة حتى عاد بفيلم رسائل البحر 2010، بعد سنوات من المعاناة فى البحث عن جهة إنتاج تحترم عقله وفكره. قدم داوود عبد السيد خلال مشواره الفنى 9 أفلام روائية فقط، بداية من فيلمه الأول الصعاليك 1985، تلاه بالترتيب: الكيت كات 1991، البحث عن سيد مرزوق 1992، أرض الأحلام 1993، سارق الفرح 1995، أرض الخوف 2000، مواطن ومخبر وحرامي 2001، رسائل البحر 2010، قدرات غير عادية 2015، والمسألة ليست بالكم ولكن بالكيف، داوود لا يكتب فيلما، بل يعيش فيه. يسرى نصر الله أحد المخرجين الكبار وهو يسري نصر الله، كان قد أشعل الوسط السينمائي عندما أعلن منذ عامين فيما يشبه الصرخة المدوية مدونا على صفحته بافيسبوك: التعثر أوضاع الإنتاج السينمائي لممارسات احتكارية يمارسها البعض، مخرج سينمائي لامع، خبرة 30 سنة سينما و50 سنة طبيخ، يبحث عن عمل كطباخ. عاد المخرج يسري نصر الله، ولكن ليس من خلال السينما، كما يقولون شيفت كارير، غير النشاط، من السينما إلى التلفزيون، أخرج مسلسل منورة بأهلها للنجمة ليلى علوي، وحاليا انتهى من تصوير مسلسل المماليك، لكن كانت صرخته التهكمية في حينها جرس إنذار بأن الوضع سيزداد سوءا، قالها وهو يردد: مش أحسن من أن أجلس بدون عمل. خيري بشارة خيري بشارة واحد من أهم مخرجي السينما، ساهم في تقديم أفلام مهمة في فترة الثمانينيات والتسعينيات، من منظوره الخاص التي تعكس وجهة نظرة في الحياة، ولقبه بعض النقاد بأنه االمخرج المتمرد. بالتزامن مع تأسيس المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1967 استغل بشارة هذه الفرصة الكبيرة من أجل تقديم نفسه كمخرج واعد حتى أصبح ضمن جماعة السينما الجديدة، ومنذ عام 1974 قدم أكثر من 12 فيلماً حتى عام 1986 حين قدم أول فيلم روائي له ويحمل اسم االأقدار الدامية من إنتاج مشترك مع الجزائر. كان يعرض لخيري بشارة فيلمان دفعة واحدة، رغبة متوحشة لنادية الجندي، وآيس كريم في جليم لعمرو دياب وأفلامه تنتمي للفانتازيا الساخرة في أمريكا شيكا بيكا، وقشر البندق، وحرب الفراولة، وانتهى إلى الفيلم الكبير إشارة مرور (عام 1996). على عبد الخالق وقبل يسرى وداوود كانت هناك صرخة تحذيرية للمخرج الكبير علي عبد الخالق، الذي كان لسنوات يحاول أن يبحث عن حلول، منها اجماعة أفلامناب التي يبدو أن مشروعها امات بالسكتة القلبيةب بسبب عدم توافر تمويل يكفي لمشروعات سينمائية تكفي الجميع. المخرج على عبد الخالق صنع مجموعة كبيرة من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية منها الكيف، العار، اأغنية على الممرب، إعدام ميت، بئر الخيانة وجرى الوحوش، لكنه قرأ الجمهور فى وقت مبكر جداً عندما عرض له فيلم يوم الكرامة، وكان يتصور أنه سيحقق نجاحًا جماهيريا، والفيلم كان من إنتاج قطاع الإنتاج بالتلفزيون، ورئيس القطاع قدم دعاية كافية للعمل سواء في الصحافة أو التلفزيون، ولكن الفيلم لم ينجح جماهيرياً، فأصيب بصدمة شديدة، وشعر بغربة تجاه هذا الجمهور، حتى أعلن اعتزاله للسينما بسببه. يقول: بدون مقدمات وجدت منتجي الفيديو يطلبونني في أعمال درامية، وبالفعل قدمت أعمالاً درامية رغم أننى لست مخرج فيديو، حتى اعتزلت الفن نهائيا منذ سنوات، أنا صنعت تاريخا فنيا كبيرا لا يمكن التخلي عنه بسهولة، فأفلامي موجودة. ويرى أن صناعة السينما لن ينصلح حالها إلا إذا أعادت الدولة النظر للسينما وأن توحد القوانين المنظمة لها، وأشار إلى أن تجربة الستينيات دليل على أن اهتمام الدولة بالفن والثقافة هو الحل الوحيد لمجابهة الأفكار المتطرفة والسلاح الذى تحارب به الإرهاب، قدم أكثر من 47 عملا ما بين سينما وتلفزيون، لكنه شعر بالإحباط لما لمسه من تخاذل لشركات الإنتاج، وتراجع في المستوى الفني، ومن الصعب تكرار ما حدث في نهاية السبعينيات عندما تشكلت جماعة السينما الجديدة ومن بين أعضائها مع محمد راضي ورأفت الميهي وأشرف فهمي وداوود عبد السيد وآخرين. عمر عبد العزيز هو واحد من كبار مخرجي جيل الثمانينيات، له بصمة كبيرة في عالم الكوميديا السينمائية، قدم العديد من الأفلام التي تركت أثرها مع الجمهور من يوم عرضها وحتى الآن، إنه المخرج عمر عبد العزيز، صاحب الآراء الصريحة، قدم ما يقرب من 50 عملاً فنيا، منها فيلم اهنا القاهرةب وايارب ولدب والشقة من حق الزوجة، بالإضافة إلى عدد من الأعمال الدرامية منها: الشارد وكلام نسوان وغيرها. ويقول: لست وحدي من اختفى عن الساحة الفنية من أبناء جيلي، ولكن هناك الكثير حدث معه هذا، بسبب ظروف الثورة والإنتاج، ولكن الجميع يعد حاليا للعودة مرة أخرى، أرى أن هناك الخبطةب كبيرة جدًا، فلا يوجد أي استقرار في سوق السينما. هانى لاشين عندما سألوه: بكل ما تمتلك من خبرة ورقى هل من الممكن أن توضح لنا أسباب ابتعادك عن السينما والدراما؟ قال: عندما بدأت مشوارى الفنى وقعت عقداً مع الجمهور بألا أخونه أبدا مهما كان السبب احتى ولو مش هلاقى آكل لا ولن أخون جمهوريب. هذا مخرج عاش رحلة طويلة قضاها بين كاميرا تؤرخ للفكرة وكلمة تؤسس للقدوة، حتى وصل لذروة التوهج والتألق، قبل أن يخفت البريق قليلًا، هانى لاشين مخرج وسيناريست ومنتج قدير يمتلك أدواته بدقة فائقة، وتميزت أعماله بمناقشة قضايا وهموم المواطن والمجتمع، تتلمذ على يد حسن الإمام ومحمد عبدالعزيز فاكتسب من الأول إنسانيته وشعبيته وإحساسه بالبسطاء ومن الثانى بساطته في الإخراج كما حصل على أول وسام من الكاتب الكبير الراحل نجيب محفوظ عندما أشاد بروايته أيوب التى حولها بعين وعدسة المخرج إلى فيلم حقق نجاحا كبيرا، أما شهادة الثقة الثانية فكانت من النجم العالمى الكبير الراحل عمر الشريف عندما همس في أذنيه وقال له: هنعمل إيه تانى بعد أيوب؟ فرد بالأراجوز. على بدرخان هو مخرج استثنائي في تاريخ السينما، جعل من أفلامه مرآة للمجتمع وثورة على الفساد والظلم، فنشأته الفنية وسط المخرجين والمؤلفين واستوديوهات التصوير، وتتلمذه على يد يوسف شاهين، فعلى الرغم من أن والده المخرج أحمد بدرخان قال له ذات يوم: ااسكت متتكلمشب، فإنه لم يسكت أبدًا، وصار علامة فارقة فى السينما. يرى أن الأعمال في السينما الآن كلها استهلاكية، وبعضها مسروق من الخارج، وضعيفة، لأنها لا تشبه مشاكلنا أو مجتمعنا، ولكن فيها تصوير وإخراج وتمثيل وديكور، وهذه العوامل ليست الوحيدة لإخراج عمل سينمائي جيد، فالسينما المصرية الآن فاشلة في تقديم قصة وسيناريو جيدين، كلها قصص باهتة وتفتقد الكثير من التفاصيل وتحتاج إلى تركيز كبير من المخرجين، والمنتج شغلته في النهاية هي أن يكسب المال. يردد دائما أن الذوق العام أصبح امنيل كدا كداب، المنتجون وصناع السينما ليسوا وزارة الثقافة، أو وزارة إعلام، والدليل على ذلك الإعلانات في الشوارع التي أصبحت جميعها باللغة الأجنبية، وإذا وجدت إعلانا باللغة العربية، فستجدها لغة ركيكة. أطالب الدولة بالتدخل ليكون لها دور في إنتاج بعض الأعمال التي قد لا يتحمس لها منتجو القطاع الخاص، فأنا وغيري من المخرجين الجالسين في منازلهم نريد تقديم أفلام تطرح قضايا تهم المجتمع مثل التعليم والصحة، يجب على الدولة أن تعطي فرصة للمنتجين والشركات للعودة إلى العمل مرة أخرى. صدمة كبيرة يقول الناقد أحمد سعد الدين إن إعلان المخرج داوود عبدالسيد اعتزاله الإخراج أحدث صدمة كبيرة عند المحبين للسينما الذين ينظرون للفن السابع على أنه أحد روافد القوة الناعمة المصرية، خاصة أن داوود رغم قلة أفلامه التى لا تتعدى تسعة أفلام فقط على مدار أربعين عاماً، إلا أن اثنين منها دخلا فى قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ مصر والعالم العربي، فهو دائما ما يُلقب بافيلسوف السينما المصريةب لما تحمله أعماله من بعد فلسفي وفى نفس الوقت تستطيع أن تصل إلى الجمهور البسيط بسلاسة مغلفة فى ابتسامة كما حدث فى فيلم االكيت كاتب المأخوذ عن رواية امالك الحزينب لإبراهيم أصلان، لكن السيناريو الذى كتبه داوود بنفسه يحمل رسائل ورمزيات عديدة تدور فى إطار كوميدى. فكر وتاريخ ويوضح سعد الأسباب، وأولها أن جيل المخرجين الذى ضم محمد خان وعاطف الطيب وداوود عبدالسيد وخيري بشارة ويسرى نصرالله وغيرهم كان يقدم أفلاماً تحمل رسائل تجعل المشاهد يخرج من صالة العرض وهو يفكر فيما شاهده، وأن بجانب هؤلاء كان هناك مؤلفين على درجة عالية جداً من الثقافة والحرفية مثل وحيد حامد ومحمود أبوزيد وبشير الديك ولينين الرملي وأسامة أنور عكاشة ومصطفى محرم، هؤلاء تربوا على المد الثقافى خلال فترة الستينيات مما انعكس على كتاباتهم التى تتميز بأنها تحمل رسالة وتحافظ على محددات المجتمع وتحافظ على الاستمتاع بالعمل الفنى، هذا الجيل بدأ يتوارى مع مطلع الألفية خاصة بعد نجاح فيلمي إسماعيلية رايح جاى وصعيدي في الجامعة الأمريكية اللذين حققا إيرادات ضخمة، جعلت المنتجين يتوجهون للجيل الجديد من النجوم والمخرجين والمؤلفين. تغير الفكر وثانياً تغير الفكر الإنتاجى فقد كان هناك ما يطلق عليه المنتج الفنان، المنتج الذى يضع فى اعتبارة أن الفيلم لابد أن يتميز بالرسالة وعناصر الجاذبية التى تجعل الجمهور يدخل الفيلم وكذلك تقديم الوجوه الجديدة بشكل متدرج بالإضافة إلى أن دورة حياة رأس المال بالنسبة للفيلم كانت تغطى تكاليفه على مدار فترة زمنية تستغرق من ستة أشهر إلى سنة، هذا المنتج تغير بشكل كبير ودخل مكانه التاجر الذى يحسب الأرقام فقط بمعنى أنه يصرف 10 جنيهات لابد أن تعود إليه 30 جنيها فى أسرع وقت ممكن، وبالتالى عليه أن يلعب على الحصان الرابح وهو الكوميديا المعتمدة على النكتة والإفيه التى تعجب الجمهور، وبالتالى هذا المنتج يريد مخرجاً اعلى أد إيدهب أو بمعنى آخر مخرجاً منفذاً فقط لذلك لن يلجأ للمخرجين الكبار. نوعية الجمهور الأمر الثالث من وجهة نظر سعد، هو نوعية الجمهور التى تغيرت، فمن المعروف أن جمهور السينما خلال العشرين عاماً الماضية يعتمد بشكل أساسي على فئة عمرية صغيرة من 15 وحتى 30 عاماً، هذه الفئة تربت على الإنترنت وأصبح لها لغة حوار مختلفة عما كان عليه المجتمع ، هذه الفئة أصبحت تفضل ثلاث نوعيات من الأفلام أولها الكوميدى وثانيها الأكشن وثالثها الأفلام الأمريكية باعتبار أنها أفلام متقدمة وتفوز بالأوسكار وغيرها، هذه الفئة العمرية عندما تدخل صالات العرض تريد أن تضحك فقط ولا تنشغل بالرمزيات الموجودة فى السيناريو كما كان جمهور السينما فى الثمانينيات، لذلك ركز منتجو السينما على صنع أفلام استهلاكية تهدف للمتعة فقط، ومن هنا أصبح المخرجون أصحاب الفكر والأسلوب غير مطلوبين لأن أفلامهم لا تأتي بإيراد كبير مثل الأعمال الأخرى. حل المعضلة ويتساءل سعد: هل تلك العراقيل تمنع جيلاً من أصحاب الفكر من العمل؟ بالتأكيد لا لأن السينما منذ بدأت تصنع أفلاماً تخاطب ثلاث طبقات فى المجتمع (طبقة النخبة والطبقة الوسطى والطبقة الشعبية) وبالتالى لابد لكل أنواع الفن السينمائي أن يكون موجوداً لكن كيف؟ وقال: منذ أكثر من 14 سنة رصدت وزارة الثقافة مبلغ 20 مليون جنيه لتقسيمه على أربعة سيناريوهات يتم تحويلها لأفلام ، وفى عام 2008 فاز داوود عبدالسيد ومجدى أحمد على وأحمد ماهر وبالفعل تم إنتاج فيلمي ارسائل البحرب واعصافير النيلب وأنتجت الوزارة فيلم االمسافرب فلماذا لا تعود تلك الجائزة؟ خاصة أنها تفى بالغرض وتنتج أفلاماً تحمل قيمة فنية جيدة وفكر مخرجين لهم تاريخ، بالإضافة لإثراء السوق السينمائي بأنواع مختلفة من السينما الجادة، هذا الاقتراح نتمنى أن يطبق حتى نكسب جيل المخرجين الممتازين الذين يبحثون عن فرصة إنتاجية بعيداً عن الربح الكبير.
