خالد حمزة المثل يقول الا توقظ دب، وينطبق ذلك على الدب الروسى الذى يحاول الغرب استفزازه بكل الطرق، فبعد أزمتى أوكرانيا والغاز وضم شبه جزيرة القرم منذ نحو 7 سنوات تأتى اضطرابات كازاخستان التى تعوم على بحيرة من البترول، والتى تمثل نصف حدود روسياالجنوبية وبعداً استراتيجيا لها، والتى تخشى روسيا تطوراتها المتلاحقة، وتكرار الثورات الملونة بعد أوكرانيا، وتتهم أمريكا والغرب بالمغامرة فى حديقتها الخلفية وبالوقوف خلفها.. والسؤال ليس: كيف ستوضع نهاية لتلك الاضطرابات؟ ولكن: متى ستنتهى تلك الحلقات من سلسلة الصراع الروسى الأمريكى الغربى؟ واندلعت الاضطرابات فى البداية بسبب ارتفاع أسعار الوقود، لكنها امتدت لتشمل مطالب سياسية أخرى، خاصة فى األما آتاب العاصمة القديمة لكازاخستان حتى 1994، قبل تغييرها إلى اأستاناب التى أصبح اسمها انور سلطانب، تخليداً لاسم نور سلطان نزارباييف أول رئيس للبلاد، وشهدت أول صدامات ذات طابع عرقى فى تاريخ الاتحاد السوفيتى السابق بين شباب المدينة وطلابها مع السلطات الأمنية، وكان ذلك عام 1986 فى أعقاب إقالة دين محمد كوناييف الكازاخى القومية والأمين الأول للحزب الشيوعى فى كازاخستان واستبداله بجينادى كولبين الروسى الأصل. وقال الرئيس الكازاخى توكاييف، إن الاضطرابات كان وراءها عصابات إرهابية، وأن المحتجين متآمرون تحركهم دوافع مادية، وحصلوا على تدريب فى الخارج، خاصة مع ظهور بعض قيادات المعارضة الذين يقيمون فى العاصمة الفرنسية باريس، وزعمهم أنهم يقودون الاضطرابات، وأن مركز قيادتها فى العاصمة الأوكرانية كييف، ووصفها بأنها فترة سوداء فى تاريخ البلاد، وفرض حالة طوارئ على مستوى البلاد، شملت حظر تجوال طوال الليل، وحظر التجمعات الجماهيرية، وقال إنه طلب المساعدة من منظمة معاهدة الأمن الجماعى بقيادة روسيا. بينما أكد رئيس المنظمة معاهدة الأمن الجماعى، أن التحالف سيرسل قوات حفظ سلام لفترة محدودة من الوقت، وأن هذه القوات ستنشر للمساعدة فى استقرار كازاخستان، البلد العضو فى المنظمة، التى تمثل تحالفا عسكريا يضم دولا سوفيتية سابقة هى: روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرقيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان. ويعتبر توكاييف ثانى رئيس يقود الجمهورية السوفيتية السابقة، منذ إعلان استقلالها عام 1991، وقوبل انتخابه فى 2019 بالإدانة من جانب منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا، باعتباره لم يظهر أدنى احترام للمعايير الديمقراطية. ويبدو أن الجانب الأكبر من غضب الشارع كان يستهدف سلفه الرئيس نور سلطان نزارباييف، الذى تولى منصبا فى الأمن القومى منذ تنحيه عن السلطة، وتم فصله من منصبه فى محاولة لتهدئة الأوضاع ووقف دعوات التظاهر، وامتدادها لباقى المدن الكازاخية، بالإضافة لاستقالة الحكومة. غير أن الحصول على صورة واضحة حول ما جرى فى البلاد الواقعة فى آسيا الوسطى صعب، فوزارة الداخلية نشرت أرقام الضحايا فى صفوف قوات الأمن، لكن لم تكن هناك تقارير مماثلة حول الإصابات أو الوفيات من بين المحتجين. وقد بدأت الاحتجاجات عندما رفعت الحكومة الدعم عن أسعار الغاز المسال، ما تسبب فى ارتفاع أسعاره إلى الضعف. وتعد كازاخستان، كما تقول صحيفة االجارديانب البريطانية، دولة مستقرة نسبيًا فى منطقة آسيا الوسطى، وحتى عام 2019 كانت تدار من قبل الرئيس نور سلطان نزارباييف، وعندما غادر السلطة وسط احتجاجات مناهضة للحكومة تم تنصيب حليف مقرب منه كرئيس للبلاد. وكانت كازاخستان شهدت أحداثاً مماثلة عام 2011، وأخرى فى قيرقيزستان المجاورة، عكست كثيرا من التذمر الذى اجتاح عدداً من مدن جنوب غربى البلاد، وخرج عمَّال الفحم يطالبون برفع الأجور وتحسين الأحوال المعيشية وإقالة الحكومة، بما كان يعنى اختلاط المطالب الاقتصادية بمطالب سياسية، وتطورت الأحداث إلى حد المواجهة المسلحة بين المتظاهرين وقوات الأمن وإضرام النيران فى عدد من المقار الحكومية. وسارعت سلطات الجمهورية إلى إصدار أوامرها بقطع الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعى، وأعلنت أن ما جرى من اضطرابات جزء من مخطط غربى استهدف إشعال نيران الثورات الملونة بالمنطقة للحيلولة دون تحقيق التكامل الاقتصادى والاتفاق الجمركى الموحد مع روسيا وبيلاروسيا، والإضرار بمواقع نقل النفط والغاز القريبة من بحر قزوين فى المناطق الحدودية، وبما يعنى الإشارة بأصابع الاتهام إلى القوى الغربية، التى تقف وراء محاولات إحباط ما كانت تقوم به روسيا من جهود تستهدف لم شمل ما تبعثر من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابقة. وفى تحرك سريع، بادرت موسكو إلى إعلان تحذيراتها من احتمالات استغلال دوائر غربية لما يجرى فى كازاخستان بهدف تغيير النظام هناك، ووفق سيناريو يقترب فى كثير من ملامحه مما سبق وشهده عددٌ من جمهوريات الفضاء السوفيتى السابق من ثورات ملونة منذ بدايات القرن. ولم تغفل موسكو ذكر ما جرى من تطورات فى أوكرانيا عام 2014، والتى أسفرت عن وقوع الانقلاب الذى أطاح الرئيس فيكتور يانوكوفيتش فى فبراير من العام ذاته. أما وزارة الخارجية الروسية فأصدرت بيانا تقول فيه إنها تراقب عن قرب وباهتمام تطورات الوضع فى كازاخستان المجاورة، وأن روسيا تدعو إلى حل سلمى لكل المشكلات ضمن إطار المجال الدستورى والقانونى ومن خلال الحوار وليس بواسطة أعمال الشغب وانتهاك القوانين. فى المقابل، ووفق ما تقول صحيفة االواشنطنب بوست الأمريكية، يخشى الغرب وأمريكا وبعض المعارضين داخل كازاخستان من أطماع روسية قديمة جديدة من جانب بعض السياسيين الروس. ففى عام 2014 وبعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم، دعا السياسى القومى الروسى إدوارد ليمونوف الكرملين إلى ضم المحافظات الشمالية من جمهورية كازاخستان بعد انتهاء حكم نور سلطان نازارباييف أول رئيس لها بعد استقلالها. وقال إن المدن الروسية التى باتت خلف حدودنا، فى داخل كازاخستان تجذبنا إليها ويجب أن تصبح تابعة لروسيا وضمن حدودها. وتثير مثل هذه التصريحات مخاوف كازاخستان ودول أخرى، إذ إن هناك أقليات روسية تصل فى بعضها إلى 22% من التركيبة الديموغرافية، وتخشى هذه الدول تكرار سيناريوهات شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا وأوسيتيا الجنوبية فى جورجيا. ورغم ذلك استطاعت كازاخستان إيجاد نوع من التوازن الجيوسياسى مع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة فى المنطقة خلال حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، عبر الاعتماد على الدعم السياسى والعسكرى من الكرملين، وتسهيل الاستثمارات الصينية فى البلاد والانفتاح على الغرب من دون إزعاج صانع القرار فى موسكو، حيث تعد أكبر دولة غير ساحلية فى العالم وتاسع أكبر دولة فى العالم من حيث المساحة بنحو 3 ملايين كيلو متر مربع، وهى دولة تقع فى أوراسيا أى بين أوروبا وآسيا، لكن معظم الأجزاء الغربية منها تقع فى أوروبا.