«قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر.. وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر» كلمات للشاعر أديب إسحق، ربما تجسد حالة ازدوجت فيها معايير مواقع التواصل الاجتماعي مع الحالات التي تبدو فيها بعض التشابه وتلك التي تتلاصق وتتساوى تماما كصورة طبق الأصل، لكن الجنوح يكون دائما للمواطن الأمريكي. حالتان كانتا على مرأى ومسمع مع العالم أجمع، الأولى غيبها الزمان نحو ثماني سنوات أو يزيد قليلا، والأخرى حاضرة يتابع العالم أجمع مجرياتها ومشاهدها التي امتزجت فيها الدهشة مع التعجب الفجائي تارة وربما تارة أخرى «الشماتة» التي شكلت حالة لم يرها العالم منذ أحداث تفجير برجي التجارة العالمية في أمريكا 11 سبتمبر عام 2001. منذ قيام ثورة ال30 من يونيو عام 2013، اقترف تنظيم الإخوان الإرهابي عبر جماعته في مصر، سلسلة من الأعمال الإرهابية استهدفت في السر والعلن وعبر وسائل إعلام، الجيش والشرطة وترويع المصريين، تجرع فيها المواطن الحميم واكتوى فيها من الزقوم، وتوالت جرائمهم الشنعاء، فواجهتها الدولة وحيدة بيد ضاربة قوية أوجعت أركانهم وقضت مضاجع قادتهم وحمت المواطنين بدرع أغلظ المؤتمرين، حتى تباطأت رويدا رويدا وباتت تلك الجماعة أو "الجمرة الخبيثة" كأنها لم تكن. مرت سبع سنوات عجاف، ورغم إدانات الكثير من العواصم العربية والعالمية سفك الدماء البريئة والتدمير هنا وهناك التي تركبها ذئاب الليل والنهار، إلا أن المفارقة تمثلت في صمت غير بريء لشركات فيسبوك وتويتر وإنستجرام ويوتيوب، أمام تحريض حسابات قيادات جماعة الإخوان وتابعيهم وصفحات القنوات التلفزيونية الداعمة لهم والتي بثت سمومها فقتلت وسفكت ودمرت روعت الآمن وزعزعت المستقر السالم، وكأنه توجه رسالة مفادها: «هيهات هيهات لما توعدون». من الفوضى والاقتحام والهرج والمرج أمام الكونجرس الأمريكي، نجد أن سياسة مواقع التواصل الاجتماعي قد كالت بمكيالين، ففي الوقت التي لا تزال المنصات الاجتماعية تسمح ببث سموم الفتنة تجاه مصر لمحاولة تغييب العقل وشل التفكير، بدا الأمر مختلفا تجاه أمريكا بعد الأحداث التي شهدها مبنى «الكابيتول" لأول مرة في تاريخه أثناء انعقاد الكونجرس الأربعاء الماضي، والتي أودت بحياة 5 أشخاص بينهم شرطي. فجأةً.. هبت مواقع فيسبوك وإنستجرام وسناب تشات، لتعلن دفاعها عن السلم وأمن المواطنين ومنع كل ما يهددهما، فأحجبت حسابات الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، كما أعلنت شركة تويتر وقف حسابه بشكل نهائي، وحذف موقع يوتيوب الفيديو الأخير لترامب حينما قال للمتظاهرين عقب اقتحام الكابيتول: «أنا أحبكم» قبل أن يطلب منهم العودة إلى ديارهم.. وبالطبع كانت الأسباب جاهزة ومعدة سلفا وهي ل«منع خطر المزيد من التحريض على العنف». على مواقع التواصل، أينما تولي وجهك فسترصد عيناك حسابات لأفراد وقيادات تابعة للجماعة الإرهابية، لم يتم إغلاقها حتى أصبح العالم الافتراضي يعج بها، وضاق الكثير من المصريين ذرعا بتلك الممارسات المجحفة وغير المهنية. تساءلوا وأنا معكم.. أليست تلك الحسابات التي لا تغذي العنف فحسب بل تحرض على هدم معبد يعيش بين أعمدته في سلام آمنين 100 مليون إنسان تكون أسبابا كفيلة بإغلاق أي حساب محرض؟!.. أم أن كل تلك القيم غير الإنسانية مسموح بها إذا كانت في مواجهة أرض الكنانة التي يزيد عمرها عن 7 آلاف عام؟! كثيرة هي التقارير التي أكدت وجود حرب شعواء مدعومة من كيانات ودول، ضد مصر في أجواء الفضاء الإلكتروني بتفويض من مواقع التواصل الاجتماعي التي أصرت على عدم إغلاق تلك الحسابات التي تستهدف أرض المحروسة بلا هوادة، كما أن هناك شخصيات تابعة للجماعة الإرهابية في قلب صناع القرار بمواقع التواصل الاجتماعي ومنها الإخوانية توكل كرمان المعينة في مجلس حكماء فيس بوك وإنستجرام وغيرها ممن ضاق بهم المصريون ذرعًا، لتبرز العديد من علامات الاستفاهم وأبرزها: ألم يشاهد القائمون على مواقع التواصل صور شهداء مصر الأبرار الذين خضبت دماؤهم الطاهرة أرض المحروسة؟!.. ألم يئن لقلبهم أن يخشع عند سماع أنين نساء رُملوا وبكاء أطفال يُتموا على يد جماعة الإخوان الإرهابية والتابعين لهم؟!.. ألم تحرك تلك المشاهد ضمائرهم التي تغوص في سبات عميق ولا تستيقظ إلا عندما يتعلق الأمر بأمريكا أو من هم على شاكلتها؟! أين جماعات ما تسمى بحقوق الإنسان في العالم والتي لا تسن سهامها المسمومة إلا حينما يتعلق الأمر فقط بمصر ؟!.. أليس التحرض على العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي في صلب اهتماماتها وسياستها؟!.. أم أن هناك سيناريو محكما ومرسوما بدقة لاستخدام تلك المواقع كمعول هدم ضد الدولة الوطنية المصرية وجيشها وشعبها حتى يعيث التنظيم الإرهابي في الأرض فسادا دون حسيب أو رقيب؟! فلم أجد ما أقول إلا أن هناك استهدافا متعمدا للدولة المصرية عبر السماح لوسائل التواصل الاجتماعي التي تحرض على القتل والعنف، وبالبطبع بدعم من الجماعة الإرهابية ودول يناصرونها ويشاطرون القاهرة العداء أملا في أن يقع أقوى بلد في العالم العربي، لكن الدولة المصرية العميقة لهم بالمرصاد. حفظ الله مصر وجيشها وشعبها.