علي مدار ثلاثة أسابيع عرضنا ملف تصوير الفيلم الأجنبي في مصر، تناولنا خلاله تاريخ الأعمال التي تم تصويرها علي الأراضي المصرية، وكشفنا عن المشاكل التي تواجه شركات الإنتاج وأزمتها مع هذا الملف من بيروقراطية وعراقيل، وفي الحلقة الثالثة قدمنا تجارب الدول العربية الشقيقة والتسهيلات التي تمنح لجذب وتشجيع الأجنبي. واليوم... حملنا كل تلك الأعباء لنضعها أمام وزير الثقافة الكاتب والصحفي حلمي النمنم المعني بملف السينما، الذي أيد بدوره أهمية تصوير الفيلم الأجنبي في مصر مما يتيح للدولة موردا هاما يضخ في الاقتصاد القومي للبلاد وكان «لأخبار اليوم» معه هذا الحوار: اللوائح والقوانين وضعت في زمن التخوف من الأجنبي.. ولابد من تغييرها سننفذ قرارات اللجنة الوزارية لتسهيل تصوير الأفلام أتمني الشباك الواحد لكل شيء في حياتنا وليس في السينما فقط رفضنا "سوليتير" لأن السفيرة هددت..إما الموافقة أو منع سائحي السويد رغم أهمية تصوير الأفلام الأجنبية علي المستوي السياسي والاقتصادي لماذا لا يشكل مجلس يضم فيه كل الوزارات المعنية والهيئات التي من شأنها توحيد الجهود بدلا من العمل بسياسة "الجزر المنعزلة" ؟ أنا لا أحبذ فكرة المجالس العليا لأن الوضع القائم يكفل أن يحل كل المشاكل إن وجدت، ولسنا في حاجة إلي هذا المجلس الأعلي في الوقت الراهن، كما أن كل الجهات المنوط بها التعامل مع الفيلم الأجنبي كل يعمل في اختصاصه. هناك أعمال تعرضت لعراقيل استمرت "أياما وليالي" بالرغم من طرح فكرة إنشاء "الشباك الواحد" لتسهيل تصوير الأفلام الأجنبية؟ لا أتصور أن أي فيلم ينتظر كثيرا للحصول علي تصاريح، ولكن ما يحدث أمر آخر ولنضرب مثلا بالصحافة عندما يعرض علي مدير التحرير عمل ما، وبالإطلاع علي الموضوع، نتأكد من صعوبة نشره، لضعف المستوي أو لرداءته أو لأي سبب آخر وهنا نقول للصحفي "إن شاء الله سنعرضه علي رئيس التحرير" ويجمد الموضوع، وهي نوع من المشاكل التي نتعرض لها. وفيما يخص الفيلم الأجنبي تحديدا إذا كان العمل مثلا سوف يعرض في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وموجهه للجمهور الأمريكي ويأتي للتصوير لدينا، فسوف أمنحه الموافقة علي الفور وبدون تردد، دون أن أكون معنيا بمضمون الفيلم، لأن العمل لن يخاطب الجمهور المصري. فيلم سولتير ما ذكرته أمر رائع يشجع علي قدوم الأجنبي للتصوير لدينا، ولكن علي أرض الواقع تم رفض الفيلم السويدي الألماني "سوليتير" ورحل الفيلم عن مصر فلماذا؟ لا، فيلم سولتير له قصة كبيرة، في البداية اعترضت الرقابة علي نقاط في السيناريو، وأجريت التعديلات علي النص وتم تغيير عنوان الفيلم من "النيل هيلتون" إلي "سوليتير"، وأنا شخصيا تحمست للفيلم، وزارني المنتج محمد حفظي وأخبرته بأن الفيلم سيحصل علي الموافقة بالتصوير وليس هناك أدني مشكلة، ولم تمض ساعات وجاءني اتصال من وزير السياحة وهو منزعج تماما بعدما اتصلت به سفيرة السويد و"تهدد" إذا لم يتم الموافقة علي الفيلم لن يأتي سائح سويدي إلي مصر علي الإطلاق!! ،و أظن لا يحق لسفير أي دولة أجنبية أن يتدخل في عملي ويضغط علينا، ولماذا هذا الذل، وتلك هي القصة الحقيقة وراء رفض فيلم "سوليتير ". واستطرد الكاتب الصحفي حلمي النمنم قائلا: عندما اعترض البعض علي تصوير فيلم The Story Of God" "أو "قصة الإله" للممثل الأمريكي "مورجان فريمان " قلت صراحة لماذا اعترض"أنا مالي" واحد بيتكلم عن معتقداته وتصوراته كما أن تلك هي ثقافته، طالما لن يعرض الفيلم في مصر هذا شأنه، وأتدخل بالمنع أو الموافقة في حالة عرضه في مصر فقط. أزمة مورجان ولكن أزمة مورجان فريمان كشفت عن العقلية التي تدير الرقابة في ذلك الوقت؟ وبابتسامة عريضة قال وزير الثقافة... ما حدث مع مورجان فريمان أمر آخر.. اتصل بي دكتور عبد الستار فتحي معاتبا أن المركز القومي للسينما منح تصاريح للفيلم وهو لم يمنح أي موافقات، وقلت له موافقات فريمان لا شأن للرقابة بها لأنه برنامج تليفزيوني وتصاريحه تخرج من الهيئة العامة للاستعلامات. ثم قامت الدنيا علي رئيس الرقابة، لأن أحد الصحفيين اتصل بالرقيب قائلا: "أنت قاعد في مكتبك ومورجان فريمان يصور بجوارك في قصر النيل" واندفع الرقيب بقوله: "سوف أبلغ أمن الدولة"، وسألت عبد الستار هل قلت هذا الكلام حقا، فأكد ذلك، فقلت له: كان عليك أن تستضيفه بدلا من إحضار الأمن له. ما ذكرته يبشر بالخير ويعكس إدراك وزير الثقافة لأهمية تصوير الأعمال الأجنبية، ولكن تبقي "معضلة الشباك الواحد" الذي ييسر المنظومة بأكملها؟ فكرة الشباك الواحد "مصر" تعمل به في قطاع الاستثمار، وأنا شخصيا أتمني أن يأتي اليوم الذي يكون فيه الشباك الواحد ليس للمستثمر الأجنبي أو لتصوير الفيلم الأجنبي بل يسعد به كل مواطن مصري لتسهيل الإجراءات. المركز القومي للسينما بالمغرب هي الجهة الوحيدة المنوط بها استخراج التصاريح لتصوير الفيلم الأجنبي، لماذا لا يطبق هذا في مصر؟ أوافقك الرأي دي مشكلة بيروقراطية علينا حلها. ولماذا لا نستفيد من تجارب دول مثل المغرب والإمارات والأردن وتونس في تصوير الفيلم الأجنبي والتسهيلات التي تمنحها تلك الدول؟ الإمارات دولة غنية، ولكن الدول الأخري التي ذكرتها قريبة منا، ومن الممكن الاستفادة من تجاربهم، أما عن الضرائب أنا لست رجل اقتصاد، وهذا اختصاص وزير المالية، أما عن التسهيلات التي تحد من البيروقراطية نقوم بها، والدليل علي ذلك، هيئة الاستعلامات عندما طلبت موافقات ل "مورجان فريمان" لم نتردد فيها رغم اعتراض البعض. اللجنة الوزارية علينا إذن تفعيل قرارات اللجنة الوزارية التي شكلت في عهد حكومتي "الببلاوي" و"محلب" والخاصة بإنشاء الشباك الواحد لتسيهل تصوير الأفلام الأجنبية والمصرية، وأيضا ما جاء في لجان السينما المنبثقة عن وزارة الثقافة، وهو ما أكده أيضا مؤتمر "الإبداع" بأخبار اليوم وتم تنفيذه علي عملين"أجنبيين" ثم توقف مرة آخري. قرارات اللجنة الوزارية سوف نعمل علي تنفيذها ،وما دام هناك تصور واضح علينا حل تلك المشكلة، أما لجان السينما فتوصياتها استشارية وترفع للأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة. كمبدع وصحفي هل الرقابة ضرورة أم لا ؟ طبقا لقانون الرقابة، الرقباء يؤدون عملهم، وعندما يتم تعديل القانون – والحمدلله أصبح لدينا برلمان – وطالما هناك قانون علينا أن نحترمه إلي حين إشعار آخر، وأتفق معك علي ضرورة تسهيل الإجراءات ولا نقع في البيروقراطية ،و بالنسبة لقضية وجود رقابة أم لا ،فالمجتمع به فريقان الفريق الأول يرفض الرقابة شكلا ومضمونا، والفريق الآخر يري أن علي الرقابة أن تكون اكثر صرامة وأصحاب هذا الرأي ينادون بمنع أعمال "السبكي" نهائيا. وأنا كرجل سياسي أقول: هناك قانون يجب ان يحترم ويطبق بلا بيروقراطية وفي أسرع وقت. موافقة الرقابة هل يتعهد وزير الثقافة ألا تستغرق الموافقة الرقابية للعمل الفني أكثر من أسبوعين؟ لا يعقل أن يستغرق أي عمل فني بالرقابة مدة طويلة، بل علي الرقيب أن يقرأ السيناريو في يومين ويكتب تقريره في يوم ثم يرفع هذا التقرير إلي رئيس الرقابة في اليوم الرابع علي الأكثر. وماذا عن هيكلة الإدارة المركزية للرقابة علي المصنفات الفنية ؟ عادة عندما تذكر كلمة الهيكلة تترجم لدي البعض بفصل العاملين، والحقيقة أن الهيكلة تبدأ أولا بإعادة النظر في القوانين التي تعمل بها الرقابة، وبدون ذلك نخدع أنفسنا، وفكرة تغيير رقيب بآخر أثبتت عدم نجاحها. هل تري أن معظم الرقباء مؤهلون لعملهم؟ أنا شاهدت بنفسي تقارير الرقباء، وبعيدا عن الموقف النفسي والفكري لهم، عند قراءة تقاريرهم تشعرين أن الرقيب بذل جهدا ووضع تصورا، قد تتفق أو تختلف عليه. ولماذا لا يطبق "التصنيف العمري" في الأعمال الفنية بشكل جاد ؟ التصنيف العمري حيلة لا يأخذ ولا يلتزم بها، ووجدنا عندما نصنف عملا ما للكبار فقط يتحول الأمر إلي تسويق تجاري للفيلم، والمشكلة أننا جميعا "استمرءنا" عدم تنفيذ القانون، عندما أطبق التصنيف العمري ويشرع الرقيب في تطبيق القانون والإجراء يستغرق وقتا يكون تم رفع الفيلم وهكذا. هل لو تم إعادة هيكلة المركز القومي للسينما وتحويله إلي قطاع سيسهل في مشكلة تصوير الأفلام الأجنبية؟ مشكلة تصوير الأفلام الأجنبية لابد أن تحل لأنها تساهم في اقتصادنا، أما فكرة هيكلة المركزالقومي للسينمافليس هناك تفكير حاليا فيها. وماذا عن الشركة القابضة للسينما التي تتبع وزارة الثقافة؟ نعمل علي تشكيلها الآن، وتجري دراسة الأمر ومدي قانونيته، وبناء عليه تشكل الشركة، وسوف نري الأوضاع القانونية، هناك من يري أن الشركة تكون تابعة للمركز القومي للسينما، ولكن قانون المركز لا يسمح بذلك، وسوف نرجع للمستشارين والقانونيين. في الستينيات كان لدينا شركة "كوبرو فيلم" للإنتاج المشترك ويتبع الدولة هل هناك اتجاه لعودة الدولة للإنتاج؟ إذا كنت تقصدين أن تعود الدولة لتشارك مع منتجين أفراد من المجتمع المدني فهو أمر وارد بشكل عام، وأنا أشجع وأحبذ هذا الاتجاه، أما إذا كنت تهدفين إلي إنتاج أجنبي، فهذا الأمر يستوجب أطرافا أخري تدخل معنا مثل وزارة الخارجية، و عموما ليس لدينا مصادرة علي الأفكار. أخيرا يبقي أن أطرح تساؤلا يدور في ذهن كل السينمائيين حول ارتفاع الأسعار في أماكن التصوير كالمناطق الأثرية وغيرها. اتفق معك تماما، لأنه يمثل عبئا ماديا كبيرا علي السينمائيين المصريين والأجانب، ونحن في حاجة إلي بلورة المنظومة كلها حتي لا ننفر السينمائيين وهناك تفكير أن نحدد مبلغا ماليا موحد ومعقولا لأماكن التصوير سواء الأثرية أو غيرها، ومن ناحية آخري أرفض تماما الانسحاق أمام الأجنبي الذي يأتي إلينا، وعلينا أن نعيد النظر في الأساس في اللوائح والقوانين الموجودة، لأن معظمها وضعت في وقت كنا نتخوف فيه من الأجنبي، ونحن الآن في لحظة سياسية وزمنية مختلفة، وإذا كنا نعمل اقتصادا مفتوحا ونطور السياحة والصناعات السياحية وننفتح علي العالم لابد للقوانين والعقليات أيضا أن تتوافق مع هذا الاتجاه.