بعد النجاح الذي تحقق في تطوير الأقصر، من إنجاز 84 مشروعاً، في مدة سبع سنوات، تحولت الأقصر إلي مدينة من أجمل مدن مصر .. فتساءل البعض عن سر هذا النجاح. والحقيقة أنه ليس سراً واحداً، وإنما مجموعة كبيرة من العوامل، التي تضافرت لإنجاح هذه التجربة، أضع علي رأسها، وفي مقدمتها، عامل التخطيط؛ حيث تم وضع »خطة التنمية الشاملة لمدينة الأقصر 2030»، بدءاً من عام 2005، فور أن توليت المسئولية، ولمدة 25 عاماً لاحقة. والواقع أنني »لم أعد اخترع العجلة»، وإنما استفدت من دراستي لدبلوم إدارة الأعمال، من الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتي تعلمت فيها، منذ اليوم الأول، أن نجاح الإدارة يولد من نجاح التخطيط، ثم التنفيذ، وأخيراً المتابعة ... فكلما كان التخطيط سليماً، كلما كانت نتائجه مضمونة. وتعلمت أن التخطيط المنهجي لا يقل عن 20 عاماً، ولا يزيد عن 25 عاماً، لأن الزيادة عن تلك المدة يغفل إمكانية حدوث متغيرات كثيرة، لا يمكن توقعها، وهو ما يحدث، بالفعل، في أيامنا هذه، من تطورات هائلة، في مجال التكنولوجيا تحديداً. كنا حينها، في مصر، نتبع طريق الخطط الخمسية، والتي نجحت بالفعل، وهو ما ناقشت فيه أساتذتي، أثناء الدراسة، فأكدوا أن هذه الخطط الخمسية، هي أحد أساليب دول المعسكر الاشتراكي أو الشيوعي، وتنجح، علي الأغلب، عندما تكون موجهة لهدف محدد، مثل »الخطة الخمسية لتطوير الصناعة»، التي أطلقها الرئيس عبد الناصر، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ونجح من خلالها في تطوير الصناعة المصرية، وكانت مصانع الحديد والصلب، والغزل والنسيج، ومصانع السيارات، ثمرات نجاح تلك الخطة. أما التخطيط الشامل، فهو ما يتراوح بين 20 إلي 25 عاماً، وتبدأ أولي عناصر خطة التنمية الشاملة بتحديد أهداف الخطة، والتي قد تختلف من مدينة إلي أخري، داخل نفس البلد، وحتي علي مستوي المؤسسات. بعد تحديد الهدف، تقسم الخطة إلي مراحل؛ الأولي، وتسمي عادة المرحلة العاجلة، تكون من 5 إلي 6 سنوات، ثم المرحلة المتوسطة، وتكون مدتها عشر سنوات، وتكون، عادة، أهم مرحلة من مراحل خطة التنمية الشاملة، أما المرحلة الأخيرة فتشمل الأعمال التي لم تنفذ في المراحل السابقة، وتحتاج لمرونة أكبر، وتمويل مالي، لم يتوفر في المراحل الأولي. لا يتم وضع خطط التنمية الشاملة في جزر منعزلة، فنجاحها مشروط بالتنسيق بين شتي الجهات المعنية؛ فالتخطيط لتنمية شاملة، لدولة ما، يستلزم مشاركة جميع الوزارات، والمؤسسات والهيئات العامة، وحتي منظمات العمل المدني، لتتحمل كل جهة مسئولياتها، المنوط بها تنفيذها، خلال مدة الخطة، الممتدة حتي 25 عاماً، وهنا يبرز دور وزارة التخطيط في التنسيق بين مختلف الجهات المعنية. ومثال علي ذلك، لو نظرنا علي دور وزارة السياحة، تجده عبارة عن هدف جزئي، في خطة التنمية الشاملة للدولة، وهو الوصول إلي 20 مليون سائح سنوياً، وهو ما يتطلب جهوداً تعزيزية من جهات أخري، مثل وزارة الطيران المدني، لتدبير المطارات اللازمة لاستقبال هذا العدد، ووزارة الاستثمار لتدبير الاستثمارات اللازمة، لتوفير عدد الغرف الفندقية، لاستيعاب هذا العدد، من خلال منح المزايا والتسهيلات، للمستثمرين، المحليين والأجانب، لبناء وإقامة الفنادق، وكذلك وزارة المالية التي تمنح الإعفاءات والتسهيلات الجمركية والضريبية، للاستثمارات السياحية … إلخ. فكل وزارة، أو جهة، تقدم ما يلزم لتحقيق هدف وزارة السياحة، الذي هو جزء من الهدف الكلي. وهو ما ينسحب علي أهداف كل جهة علي حدة، وما يتطلبه من تنسيق وتعاون مع الجهات الأخري، علي مستوي الصناعة، والتعليم، والصحة، وغيرهم. تتميز خطط التنمية الشاملة، بارتباطها بالأهداف وليس الأشخاص، فمهما تبدلت الأسماء في الوزارات، والهيئات، تظل الجهة ملتزمة بتنفيذ دورها في الخطة، ولا يجوز لها إدخال أية تعديلات، إلا في إطار المراجعات التي غالباً، ما تتم كل خمس سنوات، كنوع من أنواع المرونة في استقبال المتغيرات، حول العالم، خاصة في مجالات التكنولوجيا والعلوم الحديثة. وما ينطبق علي خطة التنمية الشاملة للدولة، ينطبق علي خطة المحافظة، أو أي هيئة من الهيئات، حيث لا تسمح هذه الخطط بالمتغيرات الفردية، حسب أهواء الوزير أو المدير المسئول. عندما وصلت إلي الأقصر، وجدت في أحد أدراج مكتبي، خطة تنمية شاملة للأقصر، تم إعدادها قبل وصولي بخمس سنوات، بمعرفة »البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة»، “The United Nations Development Programme”UNDP وهو البرنامج التابع لمنظمة الأممالمتحدة، والمنوط به التعاون مع الحكومات، والجهات الرسمية، في إعداد هذه الخطط التنموية، وعلمت لاحقاً أن البرنامج قدم العديد من هذه الخطط، لعدد من محافظات مصر، والتي تم تمويلها من حصة مصر في المنح التي تقدمها الأممالمتحدة، ولكن للأسف لم يتم العمل بها، وظلت حبيسة الأدراج، حيث وجدتها. فور أن وضعت يدي علي هذه الخطة، عملت، فوراً، علي تحديث بياناتها، واتخذتها نواة لوضع خطة حديثة، تعكس الملامح الجديدة للمتغيرات التي طالت المنطقة، وكذلك مدي التقدم التكنولوجي الذي طرأ علي العالم كله، خاصة في علوم البرمجيات الحديثة. استغرق تطوير هذه الخطة خمسة أشهر، قمت، خلالهما، بزيارات ميدانية لمواقع التطوير، للوقوف علي حالتها، وتقرير احتياجاتها، والاستماع إلي مطالب المواطنين، والسياح، فعلي سبيل المثال، تم إضافة بند جديد، للخطة العاجلة، وهو بناء كوبري جديد، لخدمة سائحي اليوم الواحد، القادمين من الغردقة، لتسهيل وصولهم إلي المدينة، كما تم الاستفادة من بيانات أحدث تعداد سكاني، فيما يخص توزيع المدارس، طبقاً للمراحل العمرية. وبعد مضي الأشهر الخمسة، زار المحافظة رئيس مجلس الوزراء الأسبق، الدكتور أحمد نظيف، يرافقه 13 وزيرا، تم خلال الزيارة استعراض الخطة ومناقشتها، وانتهي الاجتماع باعتماد رئيس الوزراء لخطة التنمية الشاملة للأقصر حتي عام 2030، وبدأ التنفيذ علي الفور، ليصبح للأقصر، منذ ذلك اليوم، خطة شاملة، يستكمل بنودها، من تقع عليه مسئولية المحافظة، وهو ما اعتبره كلمة السر في نجاح تطوير الأقصر »خطة التنمية الشاملة 2030».