أسعدني أن أجد جمعيات المستثمرين وكبار الصانعين في القطاع الخاص يعلنون الالتزام بتطبيق الزيادات الجديدة في الأجور علي العاملين لديهم. ربما يكون الأمر راجعاً إلي أن معظم العاملين لديهم يحصلون بالفعل علي الحد الأدني الجديد للأجور، وبالتالي فإن الزيادات المطلوبة للعلاوات وغيرها لن تكون عبئاً كبيراً. لكن ذلك لاينفي أنهم يدركون أيضاً أن أجوراً عادلة للعاملين تعني انتاجاً أفضل، وتحقق في النهاية أرباحاً أكبر، لأن زيادة الأجور تعني تنشيط الأسواق وزيادة الطلب علي المنتجات في كافة القطاعات. وهذا هو أول ما ينبغي أن يكون واضحاً لدي كل أصحاب العمل في القطاع الخاص، لكي تتحقق المصلحة العامة للجميع. العاملون في القطاع الخاص يمثلون ثلاثة أرباع القوة العاملة المنتظمة. وتطبيق الزيادات في الأجور بالقطاع الخاص لا يعني فقط أن يتمكن العاملون في هذا القطاع من مواجهة أعباء الحياة بعد أن شاركوا في تحمل معظم تكلفة الاصلاح الاقتصادي، ولكنه يعني أيضاً أن تزداد القوة الشرائية وأن يكون ذلك دافعاً لانتاج أكثر وجاذباً للمزيد من الاستثمارات الوطنية أو الخارجية. إن أحد العوامل الجاذبة في الاستثمار عندنا هو السوق المتسعة لتلبية حاجات مائة مليون مصري من ناحية.. ثم الامكانيات المتاحة لتصدير ما يتم صنعه في مصر إذا أحسنا التصنيع، وأحسنا التسويق استغلالاً لموقعنا المميز، وللاتفاقيات التي تفتح أبواب دول عديدة في إفريقيا والعالم أمام منتجاتنا، وإذا بذلنا الجهد للتطوير المطلوب لنضاعف قدرتنا علي المنافسة. الحلقات متصلة.. الأجور العادلة تعني تحريك الأسواق، وتحريك الأسواق يعني التشغيل الكامل لمصانع كانت تعمل بنصف طاقتها واجتذاب المزيد من الاستثمارات للمزيد من الانتاج والمزيد من فرص العمل ومن تحسين الدخل.. للمواطن وللدولة. كبار المنتجين في القطاع الخاص يدركون ذلك جيداً ويطبقونه، لكن آخرين يتجاهلون حقيقة أن الأجر العادل يعني الانتاج الافضل والربح الأوفر!! ولاشك أن مهمة الغرف الصناعية والتجارية هنا كبيرة لكي يلتزم الجميع بقرارات تحسين الأجور. ولاشك أيضاً أن دور الدولة هنا مطلوب بشدة لمساعدة هذه الغرف في مهمتها.. والمساعدة هنا تعني أن تكون الدولة حاضرة لتقديم كل التسهيلات للقطاع الخاص ولحل كل مشاكله، وربما لتقديم بعض الإعفاءات الإضافية لبعض القطاعات التي عانت طويلاً من الظروف التي مرت بها البلاد مثل قطاع السياحة. المهم في النهاية أن تشمل قرارات تحسين الأجور كل العاملين، وأن يتفهم الجميع أن العاملين في القطاع الخاص تحملوا نفس العبء الذي تحمله العاملون في الحكومة والقطاع العام. وأن الاسعار لا تفرق بين هذا وذاك، وأن ما تحمله المواطنون بشجاعة لم يكن سهلاً تحمله، وأن عبور ما تبقي من المرحلة الصعبة سوف يكون أسهل علي الجميع حين نطبق هذه الإجراءات من أجل أجر أكثر عدالة، ومن أجل أن يكون العاملون في القطاع الخاص مثلهم مثل العاملين في الحكومة والقطاع العام أكثر قدرة علي إكمال الطريق، ومن أجل أن يكون القطاع الخاص نفسه أكثر قدرة علي النمو والتطور ومضاعفة الإنتاج القادر علي المنافسة والتفوق. مازلت أتذكر الأيام الصعبة التي مررنا بها، حين أدت الاضطرابات لتوقف الانتاج في الكثير من المصانع أو تخفيضه، ومازلت أتذكر كيف رفض العديد من أصحاب المصانع أن يتخلوا عن العمالة أو يخفضوا الأجور. تحملوا هم أيضاً العبء، وكانوا بعد ذلك هم الأسبق في التعافي وتعويض ما تحملوه. الآفاق الآن تتسع. ما يقدمه القطاع الخاص لتطبيق قرارات تحسين الأجور سيجني أضعافه. الخير قادم ولابد أن يشمل الجميع.