استطاعت أصغر امرأة تقود دولة في العالم أن تحتوي الأزمة العنيفة التي تمر بها بلدها، ونجحت بالإنسانية والمحبة والتعاطف. في مواجهة العنف غير المسبوق الذي شهدته نيوزيلاند بعد الحادث الارهابي علي المسجدين في مدينة "كرايست تشيرش"، وتزايدت شعبيتها في العالم لقدرتها علي احتواء الموقف الصعب وانتشال بلدها من صدمة غيّرت تاريخها، واحتضان أهالي ضحايا الجريمة المروعة، بقدر كبير من الذكاء والهدوء والثقة والثبات، وكسبت المزيد من الاعجاب والاحترام بعد تصريحاتها ضد العنصرية والتطرف والتعصب، ومواقفها التي عكست وعيا انسانيا ليس له مثيل بين العديد من القادة والزعماء السياسيين. رئيسة الوزراء النيوزيلنديّة "جاسيندا أردرن" التي تعد أصغر رئيسة حكومة في العالم، احترمت مواطنيها بمختلف أصولهم وعقائدهم، وكسبت ثقة المسلمين في بلدها وبددت مخاوفهم، زارت أحد المساجد في العاصمة، وقدمت العزاء داخل مركز للاجئين المسلمين، وهي تضع إيشارب علي رأسها لمواساة أهالي الضحايا، وتضامنا مع مشاعر المجتمعات المسلمة والتعاطف مع أحزانهم، ولم تتاجر بتلك الجريمة البشعة، أو تستخدمها في تحقيق مصالح انتخابية أو مكاسب سياسية، مثلما فعل الرئيس التركي المهووس، وإنما قررت إذاعة الأذان مباشرة يوم الجمعة في وسائل الإعلام، والوقوف دقيقتين حدادا علي الضحايا، وإقامة حفل تأبين بمشاركة قادة من دول العالم. في حين استغل "أردوغان" دماء ضحايا تلك المجزرة في الانتخابات المحلية، وفي الترويج لنفسه ولأحلام الزعامة الواهية، والظهور في صورة حامي حمي الاسلام والمسلمين، واستخدم خطابا شيطانيا متهورا يشعل فتيل الحروب الدينية، ويغذي مشاعر الكراهية والعنف، ويصب البنزين علي نيران الفتنة والتحريض، وها هي ذا قد بدأت بوادره من خلال المواطن ذي الأصول التركية، الذي أطلق النار علي "الترامواي" في هولندا، وما خفي أعظم!! كذلك لم تستغل ذلك الحادث الارهابي لتشديد القبضة الأمنية علي المواطنين، ومهاجمة الأفواه المعارضة، أو تطالب بوقف الهجرة أو بناء جدار عازل واستصدار قوانين ضد الدول الاسلامية، وإنما قامت بتعديل القوانين المتعلقة بحيازة الأسلحة بعد 72 ساعة فقط من الحادث الارهابي، وحظر حيازة جميع الأسلحة الآلية والبنادق في أنحاء نيوزيلندا لجعل البلد أكثر أمنا، وتكليف السلطات باستلام الأسلحة من مالكيها وسداد ثمنها لهم، وأعطي الحاكم العام لنيوزيلندا مهلة زمنية للمواطنين لإبلاغ الشرطة ببيانات أسلحتهم وتسليمها، وفرض عقوبة علي المخالفين تصل للحبس 3 سنوات أو غرامة مالية 4 آلاف دولار. يحدث هذا في الوقت الذي فقد أكثر من 1.45 مليون شخص حياتهم في الولاياتالمتحدة منذ عام 1970 حتي الآن، في جرائم قتل وانتحار وسرقة بسبب انتشار الأسلحة في البلاد، ورغم أن هذا العدد يفوق أعداد الذين قتلوا في جميع الحروب خلال التاريخ الامريكي( 1.4 مليون)، إلا أن الكونجرس والرؤساء الامريكيين يرفضون إصدار قوانين تمنع انتشار السلاح، بحجة أن الكراهية هي التي تقتل وليست البنادق والرصاص!! لقد استطاعت رئيسة الحكومة الشابة أن تلقن الرئيس الامريكي دونالد ترامب درسا قويا، وذلك حين اتصل بها تليفونيا لتقديم التعازي في ضحايا الحادث الإرهابي، وعرض عليها استعداده لتقديم المساعدة لنيوزيلاند،وكانت نصيحتها له أن يقدم التعاطف والمحبة لكل المسلمين. رئيسة الوزراء الشابة التي احتفي الاعلام الامريكي هنا بمواقفها وتصريحاتها، تولت منصبها وعمرها 37 عاما كأصغر رئيسة وزراء لنيوزيلندا علي مدار 150 عاما، وانضمت لحزب "العمال" وعمرها 17 عاما، وتصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار منذ وصولها للسلطة عام 2017 بعد أن أصبحت ثاني زعيمة منتخبة في العالم تلد وهي في المنصب بعد رئيسة وزراء باكستان الراحلة بنظير بوتو، وأول سيدة تأخذ إجازة أمومة وهي في السلطة، ورافقتها طفلها حديثة الولادة إلي نيويورك وحضرت معها اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. هكذا استطاعت "جاسيندا أرديرن" أصغر رئيسة حكومة في العالم، أن تنال احترام وإعجاب العالم أجمع، وهكذا أيضا حصد أردوغان استنكار وغضب واستياء الجميع!