"أردْتُ أن أدع أصحاب هذا التراث المؤمن بالتجديد يتحدثون هم بأنفسهم عن التجديد الديني، فإذا تحدَّث أصحاب القديم عن التجديد حديثَهم الذي تري نصوصه. وبدَا حديثُهم عن التجديد هذا مبكرًا منذ نحو القرن الثالث الهجري؛ لم يبق بعد ذلك مقال لقائل، ولا اعتراض لمعترض، ولم تَعُدْ فكرة التجديد بدعًا من الأمر يختلف الناس حوله؛ فتخسر الحياة ضحايا من الأشخاص والأعراض والأوقات أكثر مما ينبغي أن تدخره هذه الحياة لتفيد منه في ميادين نشاطها، ولا تضيِّع الوقت والجهد في تلك المهاترات التي تكثر وتسخف حول كل محاولة جادة لدفع الحياة الدينية أو الحياة الاجتماعية إلي ما لا بد لها من سير وتقدُّم وتطوُّر ووفاء بما يَجِدُّ دائمًا من حاجات الأفراد والجماعات". أردْتُ أن أبدأ خاتمة مقالاتي لهذه السلسلة الخاصة بتجديد وتحديث الخطاب الديني بتلك الكلمات التي نقلتها لكم من كتاب "المجددون في الإسلام" لشيخنا الجليل (أمين الخولي)، والذي كنت قد بدأت معه وبه الحديث، وتعمَّدت نقل أجزاء بعينها من كتابه القيِّم لتوضيح فِكْرِه وإلقاء بعض الضوء علي منهجه في مسألة التجديد والتحديث. فالخطاب الديني مسئول بدرجة كبيرة عن صياغة العقلية والوعي الجمعي لمجموعات كبيرة ونعلم أن لكل خطاب مراكز قوي وناشطين يتبنونه ويسوقون له في المجال العام. ولعلي أري أن المشكلة الأساسية في مسألة التجديد ربما تكمن في أنه لا يوجد خطاب ديني واحد؛ فهناك - بكل أسف- عِدَّة خطابات، مثل: الخطاب الديني السلفي، والخطاب المحافظ، والخطاب المتحرِّر، وهناك الخطاب المعتدل، وهكذا. إضافةً إلي وجود خطاب خاص بالمؤسسات الدينية، وخطابات أخري تنتجها مجموعات دينية كالسلفية الجهادية مثلًا، ومجموعات التحرُّر الديني أو الدين المتحرِّر. وأعتقد - وتتفقون معي جميعًا- في أن تلك المشكلة لا يمكن تجاوزها بسهولة، ولكن لابد من البدء في التفكير الجاد لإيجاد مخرج وحَلٍّ سريع لتلك الأزمة الخطيرة، لما لها من تأثير حيوي في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب الذي بات يتأذَّي منه كوكب الأرض. وختامًا، فإن أثمن خدمة يمكن أن يقدمها رجال الدين للإسلام هي تَدَارُك ما يحدث من ظلم وافتراء علي الدين الحنيف دين السماحة؛ لأن المسلمين العاديين هم من يدفعون الثمن الأكبر. وسأختم بهذا الجزء من حوار تليفزيوني تحدَّث فيه الشيخ التونسي (عبد الفتاح مورو) نائب رئيس حركة النهضة قائلًا: "إنَّ الإسلاميين ليسوا مُبشِّرين في جاهلية؛ فَهُمْ مسلمون، ومعارضوهم مسلمون أيضًا، ولسنا وحدنا الحاملين للحقيقة"، ودَعَا أيضًا خلال حديثه هذا إلي ضرورة الفصل بين السياسة والدعوة في الحركات الإسلامية؛ حتي تتحمَّل السياسة فشلها، ولا يتحمله الإسلام بحالٍ من الأحوال. وأشار إلي أن غياب هذا التوجُّه بالفصل بين الدين والسياسة يُعَدُّ سببًا لفشل من يطلقون علي أنفسهم: إسلاميِّين!