كنت أتحدث إليكم في المقال السابق عن السبب الثاني وراء اهتمامي بكتابة هذه السلسلة الخاصة (بالدين والتجديد) في هذا التوقيت تحديدًا. والذي كان يتمحور حول شعوري بالوجع والألم والاستياء الشديد لما بات يتعرض له الدين الإسلامي الحنيف من تشويه مُخَطَّط وغير مُخَطَّط، ومن محاولات حقيرة مستمرة لربطه ولصقه بمسألة الإرهاب والتطرف بكل أسف. وختمت المقال وأنا أتساءل متعجبة: ماذا فعلنا؟! أو ماذا نفعل للتصدي لهذا العبث؟! وأين ردود أفعالنا الجدية التي تتناسب مع خطورة وحجم ما تتعرض له الإنسانية والسلام؟! وقد تجسد لي كم نحن في أَمَسِّ الحاجة لتجديد وتحديث لغة خطابنا الديني! سواء المُوَجَّه للداخل - باعتباره أحد أهم الوسائل المؤثرة في تشكيل وجداننا وفكرنا وبالتالي هويتنا- أوالموجه للخارج - حيث سادت وتسود في الغرب موجة ممنهجة استخدمنا نحن فيها، بل وقدمنا أنفسنا له في أوقات كثيرة علي أطباق من فضة- للخلط بين الإسلام كدين سماوي أُنْزِلَ لنشر أسمي القيم والمعاني، وبين الشخص المسلم الذي يرتكب الأفعال الإرهابية، ولعل هذا هوالسبب الثالث. ومما يزيد الطين بلة بالنسبة لي حين أسمع البعض يحدثني بعاطفة وانفعال شديدين، بل -أحيانًا- بكل ما أُوتِيَ من قوة أيضًا عن "نظرية المؤامرة" التي تُحَاك ضد الإسلام والمسلمين، ولا أجد من بينهم من يكلف خاطره ببذل بعض الجهد للتفكير في كيفية مواجهة الأمر بشكل فعال. وحتي أكون أمينة في الطرح؛ فلا يكاد يخلوالأمر من بعض المحاولات المتواضعة جدًّا والتي نتحدث فيها إلي أنفسنا في الداخل، وبعض المحاولات الخارجية الجادة، والتي تستحق التقدير، ولكنها بكل أسف تظل محاولات فردية تشبه الجُزُر المنعزلة بعيدة عن أية إستراتيجية مُحدَّدة المعالم؛ لذا تأتي نتائجها غير مُرضِية وغير كافية بالمرة للتعامل بعمق مع القضية. وأقصد التجديد هنا - بالتأكيد- التجديد في الفِكْر بطريقة عملية علمية، لا في الدين نفسه؛ وذلك بمعني إعادة النظر والتأمل فيما أنتجه الفهم البشري للنصوص من فكر ديني علي مدار التاريخ، بهدف تأصيل المُسَلَّمَات للخروج بإبداع مُسْتَمَدٍّ من الأصالة يتناسب مع متطلبات وتحديات العصر الذي نعيشه.ولعلي أري أن المشكلة الأساسية التي تواجهنا في هذه الجزئية هي أن هناك من يَرَوْن أنفسهم فوق النصوص، أوأن فهمهم لها هوالحقيقة المطلقة، ويحاولون فرض تفاسيرهم علينا تحت دعوي الاجتهاد، بل وأحيانًا التجديد أيضًا. ولحديثنا بقية...