"إن أول التجديد هوقتل القديم بحثًا وفهمًا ودراسة؛ فإن لم يعِ المجدد الماضي ويُحِطْ به؛ فسيكون بغير بوصلة صحيحة ويصبح تجديده تغريبًا وتبديدًا" بهذه الكلمات لشيخنا الجليل ورائد التجديد (أمين الخولي) كنت قد ختمت مقالي السابق، واليوم أستكمل معكم الحلقة الثالثة علي التوالي من هذه السلسلة. ولكيلا يختلط الأمر علي البعض - كما وصلني من بعض ردود الأفعال والتعليقات علي المقالين السابقين- وحتي أكون أكثر وضوحًا أيضًا في الرؤية والطرح؛ فقد وددت التأكيد في بداية كلماتي اليوم علي أنني أتحدث عن فكرة تجديد أوتحديث الخطاب الديني بوصفه أحد أهم الأدوات أوالوسائل المؤثرة في مسألة "الهوية المصرية"، وتلك هي القضية الأهم التي تشغل بالي في حقيقة الأمر، ويعود ذلك لقناعتي التامة بأن "هويتنا" - كما شبهها الأستاذ القدير عبد الوهاب المسيري رحمة الله عليه- بمثابة "حلبة الصراع الحقيقية بيننا وبين أعدائنا"ولذا أحاول جاهدة في تلك الفترة أن أوليها جزءًا كبيرًا من اهتمامي بكل ما أملك من أدوات، وقد وضعت قضية "الهوية المصرية" علي قائمة أهم القضايا التي ستتولي بحثها ودراستها وحدة (المرأة وقضايا المجتمع) والتي أشرف بكوني رئيسة لها بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجي "فهويتنا" تحتاج منا اليوم إلي وقفة جادة جدًّا من بعد إهمالها أوالتعامل معها كأمر ثانوي علي مدار أعوام وأعوام، بل عقود وعقود فقدنا وخسرنا خلالها كثيرًا بكل أسف، ولا أريد أن أطيل كثيرًا في هذه النقطة؛ فليس مجالها الآن، وسأعود وأفرد لها لاحقًا مساحات منفردة بإذن الله. وبعد أن اتفقنا علي أنني أتناول تجديد أوتحديث الخطاب بوصفه أحد أهم الوسائل المؤثرة في "الهوية"، فسأعود معكم حالًا لرائد التجديد الشيخ" الخولي" الذي طبق المنهج الحيوي علي تفسير القرآن الكريم، في الوقت الذي وقفت فيه معظم مدارس التفسير عند حدود الإعجاز اللغوي للقرآن، فجاء" أمين الخولي" ليقدم الإعجاز النفسي، بمعني أنه حاول كشف القيم النفسية القرآني، بل وذهب كذلك شيخنا إلي تطبيق منهجه الحيوي علي الدين نفسه، حيث حرص علي إبراز الطابع التقدمي المتجدد للدين، مُزيحًا كما ذكرت من قبل عن وجه الدين كل ما يراد له من جمود أوتخلف، وقد انتهج هذا النهج عدد من الكتاب والدارسين، أتساءل: أين هم الآن من حياتنا؟! وأين ذهبت كتبهم وأفكارهم؟! وأين من يسيرون علي هذا الدرب في التفسير والخطاب؟! ولحديثنا بقية بإذن الله...