من الواضح أن الدعوة لتجديد الخطاب الديني تجد مقاومة مريبة وغير مفهومة .. مازالت الكتب الشاذة التي تمتلئ بالخرافات الدينية تنتشر علي الأرصفة ناهيك عن الفتاوي التي تحرم الحلال وتحلل الحرام والخزعبلات والأساطير التي لا يصدقها عقل طفل صغير ! .. هاهي رسالة بعث بها لي د. رأفت رضوان الرئيس الأسبق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تأتي في ذات السياق في محاولة جادة للقضاء علي فوضي الفتاوي الضالة، ولعل حكاية فتوي تحريم القهوة في مصر خير دليل علي حتمية تطوير الخطاب الديني .. صحيح إن الحكاية عمرها يرجع للقرن السادس عشر لكن توابعها مازالت تعشش في عقول شيوخ الفتاوي، والحكاية بدأت عندما لاحظ طلاب الأزهر أن الطلاب القادمين من اليمن يتناولون مشروبا فائح الرائحة داكن اللون مر المذاق ويحرصون علي تناوله قبل الامتحانات وقبل أداء الشعائر الدينية لمساعدتهم علي الانتباه .. وبعد فترة انتشرت القهوة داخل الأزهر وأصبح أغلب الطلاب يتناولونها، وهنا تدخل المشايخ فأفتي أحدهم وهو أحمد السنباطي بعدم جواز شرب القهوة بأي صورة كانت وتحت أي ظرف من الظروف، واستند الشيخ في فتواه إلي أن كل ما يؤثر علي العقل حرام، ووقتها وجد كثير من الفقهاء أن تلك الفتوي منطقية وتحولت القهوة إلي قضية للمناقشة حتي في خطب الجمعة، ووقتها وقعت أحداث شغب بين المؤيدين والمعارضين أدت إلي تحطيم بعض المقاهي التي تقدم القهوة ! .. ولكن الجدل لم يستمر طويلا ففي عام 1572 أصدر العلماء في القاهرة فتوي نهائية ورسمية بمنع تداول القهوة لكونها من المنكرات، وأي تاجر يخالف ذلك يتم تحطيم المقهي الخاص به وإغلاقه، وكانت تلك الفتوي سببا في إفلاس تجار القهوة وبائعيها فحاولوا إقناع الفقيه السنباطي بأنها لا تذهب العقل لكن محاولاتهم فشلت في إثناء الشيخ عن رأيه .. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تحول كثير من المؤيدين للفتوي إلي مراقبين لدرجة أنهم بطشوا بالعديد من التجار والبائعين حتي وقعت الكارثة وحدث أن قتل أحد تجار القهوة علي يد أحد أتباع الشيخ، وفور تلك الواقعة أسرع الشيخ ومؤيدوه إلي الاحتماء بأحد المساجد خشية بطش التجار بهم، ومع تصميم التجار علي معاقبة الشيخ وأتباعه أعدوا المكان للاعتصام حتي يخرج الشيخ وأتباعه .. وأثناء الاعتصام أعد التجار القهوة وشربوها سادة أمام المسجد خلال تقديم واجب العزاء للتاجر القتيل، ومن يومها ظهرت عادة المصريين شرب القهوة في العزاء . وعندما وصلت أخبار الشغب إلي السلطان العثماني احتوي الموقف بإيقاف الشيخ السنباطي عن العمل واستبداله بفقيه آخر هوالشيخ الحنفي بن إياس الذي أفتي بجواز شرب القهوة .. ووقتها أصبح لدي الأهالي حكمان أحدهما يحرم شرب القهوة والآخر يبيحها حتي فرضت القهوة نفسها كمشروب يساعد علي النشاط ! وبعد .. لعل قضية الخطاب الديني تفرض نفسها علي أصحاب العقول المتحجرة ويقتنعون بضرورة تجديده !