أرجوكم اغمضوا عيونكم.. لمدة عشر ثوان ! طلب مثير تلقاه قرابة 002 من أصحاب المليارات والنخب الاقتصادية والمالية في أمريكا وخبراء البنك الدولي وصندوق النقد ورجال البيت الأبيض والإدارة الأمريكية ورؤساء البنوك والشركات الكبري.، ولم يكد هؤلاء يفيقون من دهشتهم حتي جاءت كلمات صاحب الطلب هشام فهمي المدير التنفيذي للغرفة التجارية الأمريكية بمصر: تصوروا أمريكا بدون رئيس ولا مجلس شيوخ ولا مجلس نواب ولا حكومة ولا أمن دولة ولا شرطة؟! ،وقبيل أن تنتهي الثواني العشر لاحقهم بسؤال ماذا كان سيحدث في أمريكا وهي أقوي وأكبر دولة في العالم لو تعرضت لمثل هذا الموقف الذي عاشته مصر منذ قرابة 4 شهور؟! وبالطبع فهم الأمريكان والمصريون أيضاً ما كان يقصده هشام فهمي الذي لم يقل صراحة إن مثل تلك الأحداث كان من الممكن أن تقضي تماماً علي أي دولة. ولم يقل لهم أيضاً ما حدث في أمريكا بجلالة قدرها عندما تعرضت إحدي ولاياتها لانقطاع التيار الكهربائي وما أعقبه مباشرة من عشرات الآلاف من حوادث السرقة وغيرها من الجرائم في ليلة واحدة! لم يكن هشام فهمي ينتظر رداً من الأمريكان، بل أراد إبلاغهم رسالة اطمئنان بأن أحداث ثورة يناير وما أعقبها من حالات اضطراب وعدم استقرار لم تصب مصر في مقتل بل زادتها مناعة وها هي الأوضاع بدأت تعود إلي طبيعتها وإن كان بشكل تدريجي.. وأراد التأكيد أن الاقتصاد المصري وهو يعاني بعض التحديات حالياً فإنه يمكن القول إنه مصاب بالانفلونزا لكنه مع ذلك يقف علي أرض صلبة. رسالة هشام فهمي امتصت أكبر قدر من حالة الترقب والقلق التي تنتاب رجال الأعمال الأمريكان الذين شاركوا في أكبر مؤتمر اقتصادي عقد بواشنطن لبحث فرص دعم الاقتصاد المصري بعد ثورة 52 يناير وهو المؤتمر الذي عقد تحت لافتة تحمل كلمات ثلاث هي »مصر إلي الأمام«.. ومع رجال السياسة والاقتصاد الأمريكان كان هناك 84 من كبار المسئولين سواء الحكوميين في مقدمتهم د. ماجد عثمان وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وعدد من مساعديه مثل ياسر القاضي وكذا محمد يوسف مدير إدارة أوروبا وأمريكا في هيئة الاستثمار وطارق توفيق رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات.. أو ممثلي القطاع الخاص مثل أليكس شلبي رئيس شركة موبينيل ود. محمد رضا رئيس جمعية صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات وباسل الباز رئيس الشركة القابضة للكربون ومديرها التنفيذي د. طارق زغلول وشريف القماش عضو الغرفة التجارية الأمريكية بمصر وحسام لهيطة رئيس شركة ايجيترانس ود. أسامة السعيد العضو المنتدب لشركة ماسا إليكترو. ومع هؤلاء وهؤلاء كان هناك من واشنطن السفير الحسيني عبدالوهاب مساعد وزير الخارجية وياسر النجار القائم بأعمال سفير مصر بواشنطن وأشرف عز الدين المستشار التجاري المصري. المهم أن رسالة هشام فهمي تشير إلي أن مصر لم يبرحها المستثمرون الأجانب وها هي بموقعها الجغرافي وفرص الاستثمار بها ستعود أقوي مما كانت.. وقال المدير التنفيذي للغرفة الأمريكية: إن لم تصدقوني.. اسألوا أصحاب المصانع الأمريكية في مصر الذين سبقوكم إلي هناك.. والحقيقة أن رسالة هشام فهمي لاقت صدي إيجابياً كبيراً. والحقيقة أيضاً أن رسالته لم تكن هي البداية المشجعة الوحيدة في المؤتمر بل كانت هناك بداية أخري رائعة.. فإذا كان الأمريكان قد أغلقوا عيونهم لمدة 01 ثوان كما طلب منهم هشام فهمي فإنهم فتحوا تلك العيون و»بحلقوا« لمدة 01 دقائق هي عمر فيلم تسجيلي عن الثورة، ألهبت أحداثه مشاعر الجميع وكادت الدموع تتساقط ولكن التصفيق الحاد غطي علي تلك المشاعر مع مشاهد ثورة شباب مصر يوم 52 يناير في ميدان التحرير وأحداثها التي انتهت بسقوط النظام السابق يوم 11 فبراير الماضي. أكبر صفقة ولم يمض علي بداية المؤتمر الاقتصادي سوي ساعات لتبدأ بشائر الثقة التي تتمتع بها مصر رغم ما يقال وسيقال حيث تم التوقيع علي عقد يتم بمقتضاه إنشاء أكبر مصنع للبتروكيماويات في مصر وبالتحديد في منطقة العين السخنة. والحقيقة أن أول الغيث لم يكن »قطرة« هذه المرة بل كان 7.3 مليار دولار هي تكاليف إنشاء هذا المشروع الضخم وكما يقول باسل الباز رئيس الشركة القابضة للكربون التي ستقوم بتنفيذ المشروع إن التمويل يتضمن مشاركة بنك التصدير والاستيراد الأمريكي بقرض قيمته 5.1 مليار دولار ومساهمة بنك التصدير الكوري بمليار دولار بجانب مساهمات مصرية وعربية أخري قدرها 2.1 مليار دولار.. وهنا يضيف د. طارق زغلول المدير التنفيذي لشركة »كربون« قائلاًسيتم تخصيص معظم انتاج المصنع للتصدير ، وسيوفر 0002 فرصة عمل مباشرة. مخاطرة محسوبة والحقيقة التي يدركها كل المشاركين في المؤتمر وغيرهم من الاقتصاديين فإن التوقيع علي اتفاقيات سريعة لإقامة مصانع أو عقد صفقات تجارية أو استثمارية لا يتم بالشكل الذي قد يتصوره البعض خاصة أن القرار الذي يتخذه أي مستثمر لا يصدر إلا بعد حسابات دقيقة ومراجعات عديدة فرأس المال أجبن من الجبن نفسه. ولذا لم يكن أحد يتوقع صفقات سريعة فمشروع البتروكيماويات يخرج عن هذا الإطار خاصة أنه مشروع ضخم واحتاج الأمر للاتفاق عليه دراسات ومشاورات لا أول ولا آخر لها، انتهت علي خير والحمد لله وكان من حسن الطالع أن يتم توقيع الاتفاق عليه خلال أيام المؤتمر الاقتصادي »مصر إلي الأمام«. وفي هذا الصدد تشير راندا عبده خبيرة التسويق المصرية التي شاركت في المؤتمر إلي أنه لا يمكن إغفال حقيقة مهمة تتعلق بقرارات المستثمرين التي عادة ما تستغرق بعض الوقت، وبالتالي فإنه ليس مستغرباً أن يعرب البعض من المستثمرين الأجانب عن حالة القلق التي انتابتهم عقب أحداث ثورة يناير، وهذا حقهم ولكن من المهم أن نعي حقيقة أن أي قرار استثماري يستغرق فترة 4 شهور علي الأقل.. ووقتها سوف تكون مصر قد انتهت من الانتخابات وعادت الأمور إلي طبيعتها.. بل أقوي وأفضل مما كانت خاصة مع انهيار قلاع الفساد وعودة الشفافية إلي الأمور التجارية والاستثمارية. وفي ذات السياق يشير شريف القماش عضو الغرقة التجارية الأمريكية إلي نفس الحقيقة والقول بأن من حق أي مستثمر أجنبي أن يشعر بالقلق مثله مثل المستثمر المصري. وهنا لابد من توفير كل ما يكفل لهذا المستثمر أو ذاك الاطمئنان إلي استثماراته. وهنا فقد جاءت المبادرة الجديدة التي طرحها القماش حيث عرض علي المستثمرين الأجانب خاصة في قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تسمي ب»التعهيد« تأجير مواقع لهم يتم تجهيزها بكل ما تتطلبه هذه الخدمات وكل ما يفعله المستثمر الأجنبي هو دفع ثمن الإيجار وذلك حتي تستقر الأمور وتعود للمستثمرين حالة الاطمئنان ويبدأون في ضخ رؤوس أموالهم إلي مصر. علاقة استراتيجية هذا وقد استحوذ قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمصر علي الجانب الأكبر من حوارات المؤتمر الاقتصادي خاصة مع تواجد الوزير د. ماجد عثمان وبعض مساعديه، والحقيقة أن مباحثات الوزير مع الجانب الأمريكي كانت تستند إلي بنية أساسية قوية حققتها مصر طوال السنوات الماضية . والحقيقة أيضاً أن أحداث ثورة 52 يناير التي انطلقت من ميدان التحرير كان لها فعل السحر لدي الأمريكان الذين عبروا عن سعادتهم بما تابعوه علي شاشات الفضائيات وفي مقدمتهم ليوكاديا زاك مديرة هيئة المساعدات الأمريكية، وهي الهيئة التي نظمت المؤتمر الاقتصادي بالتعاون مع العديد من المؤسسات المالية الأخري مثل الغرفة التجارية الأمريكية بمصر بجانب وزارة التجارة الأمريكية وبعض منظمات المجتمع المدني.. قالت زاك إن الملايين في العالم وهي منهم تابعوا الثورة من ميدان التحرير بالقاهرة حيث تعلقت كل العيون بالميدان لأيام عديدة. والمهم كما قالت فإن أمريكا حريصة كل الحرص علي دعم الاقتصاد المصري باعتبار العلاقات الاستراتيجية التي تربط القاهرةوواشنطن، ومن منطلق أهمية مصر كدولة كبري في منطقة الشرق الأوسط. وهو نفس الأمر الذي أكده د. ماجد عثمان الذي أشار إلي ضرورة التواصل مع الجانب الأمريكي، وقال: إن ذلك أمر بالغ الأهمية لتحقيق مصالح مشترك تهم كل جانب. وأشار الوزير إلي أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يأتي في مقدمة القطاعات التي سوف تشهد دعم التعاون المشترك مع أمريكا نظراً لما حققه ذلك القطاع من تطور علي مختلف المستويات الفنية والبشرية. وفي ذات السياق جاء تأكيد السفير الحسيني عبدالوهاب مساعد وزير الخارجية علي أن مجالات التعاون عديدة بين مصر وأمريكا، وأعرب عن ثقته في ازدياد حجم هذا التعاون في ضوء المناخ الجديد للاستثمار الذي يعتمد علي الشفافية ويخلو من الفساد.. والمهم كما قال هناك علاقات استراتيجية بين البلدين وهي علاقات أصبحت تقوم حالياً علي الشراكة وليست علي المساعدات. وهل هناك جديد بالنسبة لمنطقة التجارة الحرة بين مصر وأمريكا؟ رد قائلاً: حتي الآن لا جديد، ولكن التركيز الآن يتجه إلي توسيع نطاق اتفاقية الكويز لتشمل مناطق صناعية بالصعيد أيضاً بما يسمح بدخول منتجاتها أسواق أمريكا بدون جمارك. وسؤال: ماذا ستقول في تقريرك لوزير الخارجية عن مؤتمر واشنطن الاقتصادي؟ رد قائلاً: سأقول إنه من أنجح المؤتمرات سواء من حيث عدد المشاركين أو الموضوعات التي طرحت للحوار وما شهده من رغبة في دعم علاقات التجارة والاستثمار بين مصر وأمريكا. وسأقول الحقيقة التي تشير إلي أن اهتمام أمريكا بمصر لن يتغير ومن مصلحتها الاحتفاظ بعلاقات قوية معها.. ونفس الشيء بالنسبة لمصر في إطار المصالح المتبادلة.