أسعار الذهب لن تظل مرتفعة.. تقرير يتوقع انهيارها في نهاية العام    موعد انتهاء خطة تخفيف أحمال الكهرباء.. متحدث الحكومة يوضح    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 16 أبريل 2024    شهداء في محيط مسجد التوبة بجباليا.. وإطلاق نار كثيف بخان يونس جنوبي قطاع غزة    السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة: حان الوقت لإنهاء الصراع في السودان    حدث ليلا.. نيران تلتهم إسرائيل وفيضانات في عمان وإعصاران ببريطانيا (فيديو)    لجنة الحكام ترد على عدم صحة هدف الثاني ل الزمالك في شباك الأهلي.. عاجل    العظمى في القاهرة 31.. الأرصاد تحذر من ارتفاع درجات الحرارة اليوم    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رئيس تحرير «الأخبار»: المؤسسات الصحفية القومية تهدف إلى التأثير في شخصية مصر    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    قبل امتحانات الثانوية العامة 2024.. أطعمة تعزز تركيز الطالب خلال المذاكرة    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    جامعة سوهاج تستأنف عملها بعد إجازة عيد الفطر    إسكان النواب: قبول التصالح على مخالفات البناء حتى تاريخ المسح الجوي 15 أكتوبر 2023    أسعار الدواجن والبيض الثلاثاء 16 أبريل 2024    ملك الأردن يحذر من خطورة دخول المنطقة في دوامات عنف جديدة    تحرك برلماني ضد المخابز بسبب سعر رغيف العيش: تحذير شديد اللجهة    فيلم السرب يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بعد طرح البرومو    تعليق محمد هنيدي على فوز الزمالك بلقاء القمة في الدوري الممتاز    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    مراجعات الثانوية العامة 2024.. راجع مادة التاريخ للصف الثالث الثانوي    ننشر حصاد مديرية الصحة بالمنوفية خلال عيد الفطر | صور    الاتحاد المصري لطلاب صيدلة الإسكندرية يطلقون حملة للتبرع بالدم    «حلم جيل بأكمله».. لميس الحديدي عن رحيل شيرين سيف النصر    خبير تحكيمي: كريم نيدفيد استحق بطاقة حمراء في مباراة القمة.. وهذا القرار أنقذ إبراهيم نور الدين من ورطة    الهلال ضد العين في دوري أبطال آسيا.. الموعد والقنوات الناقلة    وزير الخارجية الصيني: إيران قادرة على تجنيب المنطقة مزيدا من الاضطراب    خالد الصاوي: بختار أعمالى بعناية من خلال التعاون مع مخرجين وكتاب مميزين    مواقيت الصلاة في محافظات مصر اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    19 أبريل.. تامر حسني يحيي حفلاً غنائيًا في القاهرة الجديدة    مصرع منجد في مشاجرة مع 3 أشخاص بسبب خلافات الجيرة بسوهاج    رئيس الوزراء العراقي يلتقي بايدن ويبحث اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع واشنطن    هل نقدم الساعة فى التوقيت الصيفي أم لا.. التفاصيل كاملة    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    جمارك مطار القاهرة تحرر 55 محضر تهرب جمركي خلال شهر مارس 2024    إبراهيم نور الدين يكشف حقيقة اعتزاله التحكيم عقب مباراة الأهلى والزمالك    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    تفاصيل إعداد وزارة التعليم العالي محتوى جامعي تعليمي توعوي بخطورة الإنترنت    هيئة الدواء المصرية توجه نصائح مهمة لانقاص الوزن.. تعرف عليها    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    الاستعلام عن صحة 4 أشخاص أصيبوا في انقلاب أتوبيس بأوسيم    رئيس مجلس إدارة «الأخبار»: ملف التعيينات مطروح مع «الوطنية للصحافة»    الإعدام لمتهم بقتل شخص بمركز أخميم فى سوهاج بسبب خلافات بينهما    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها    اليوم.. فتح باب التقديم للمدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2024 / 2025    يوم عيد الأضحى المبارك 2024.. البحوث الفلكية تكشف الموعد الدقيق    خطوات إضافة تابع في حساب المواطن 1445    تكريم 600 من حفظة القرآن الكريم بقرية تزمنت الشرقية فى بنى سويف    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    رئيس تحرير "الجمهورية": لا يمكن الاستغناء عن الأجيال الجديدة من الصحفيين.. فيديو    رئيس تحرير «الأهرام»: لدينا حساب على «التيك توك» لمخاطبة هذه الشريحة.. فيديو    نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني    عبد المنعم سعيد: أكبر نتيجة حققتها إيران من عمليتها على إسرائيل إصابة طفل بشظايا    لست البيت.. طريقة تحضير كيكة الطاسة الإسفنجية بالشوكولاتة    تجديد اعتماد المركز الدولي لتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس والقيادات بجامعة المنوفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخبار اليوم تنشر صفحات من مذكرات عادل حمودة »37«
نشر في أخبار اليوم يوم 21 - 09 - 2018

من قتل جمال حمدان بحرق شقته ؟ ومن قتل نصر أبوزيد بزرع فيروس في المخ ؟
قاطع »حمدان»‬ العالم بعد هجمات اليسار عليه بسبب نشر نبوءة سقوط الشيوعية وفقد حياته يوم انتهي من مخطوطة كتاب »‬ اليهودية والصهيونية»!
أهداني حمدان الجزء الثالث من »‬ شخصية مصر » وأنا في بداية مشواري الصحفي فكان بالنسبة لي أرفع وسام تلقيته في حياتي
فوجئنا في محاكمة أبوزيد بمستشار »‬ملتحي» يرتدي الزي الباكستاني فعرفنا الحكم قبل إعلانه !
أبوزيد ترك العصمة في يد زوجته وعاشا معا في هولندا خوفا من القتل أو الرجم!
سمعت من الدكتور كمال الجنزوري إنه وهورئيس حكومة دافع عن قانون الحسبة حتي أقره مجلس الشعب!
حشدت في روز اليوسف المثقفين للضغط علي الدولة لإصدار قانون الحسبة حتي لا تتكرر واقعة تفريق أبوزيد عن زوجته !
لم ينس التاريخ رمي طه حسين بالكفر بعد نشر كتابه »‬ في الشعر الجاهلي» ونجاته من السجن بأعجوبة .. ولم ينس التاريخ طعنات السلاح الأبيض التي تلقاها نجيب محفوظ في رقبته بعد اتهامه بالتطاول علي الذات الإلهية في روايته »‬أولاد حارتنا» وكاد يدفع حياته ثمنا لها .. ولم ينس التاريخ الحكم بتفريق الدكتور نصر أبوزيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس بسبب اجتهاداته في تأويل النصوص الدينية المقدسة ومات بفيروس مجهول عبث بخلايا المخ .
بالتأكيد التاريخ لم ينس ما أصاب أنصار العقل بتدبير وتحريض من أهل العدم .. ولكن .. نحن ننسي .. فلا نتعلم مما فات .. ولا نمل من تكراره .. وكأننا أدمناه .
عرفت أبوزيد عن قرب وشاركت في اجتماعات الجبهة التي تكونت لمناصرته ضد الذين سعوا للتفرقة بينه وبين زوجته في ساحة القضاء وضمت الجبهة عددا من المثقفين علي رأسهم الدكتور جابر عصفور كما تابعت القضية بدرجاتها المتعددة في المحاكم والتي تولاها نيابة عنه فريق من كبار المحامين علي رأسهم الدكتور عبد المنعم الشرقاوي .
رفضت المحكمة الابتدائية دعوي التفريق فهدأت النفوس بعد أن تصورت أنها كسبت المعركة بينما راحت جبهة الخصوم تجهز لمرحلة استئناف الحكم عند درجة قضائية أعلي وفي صدمة مروعة صدر حكم واجب النفاذ بالتفريق لم تعرف مثله من قبل في العصور الوسطي .
ولوحظ أن رئيس الدائرة كان ملتحيا ويرتدي الزي الباكستاني ( قميص طويل يصل إلي منتصف الساق تحته سروال من نفس القماش ) في حالة غير مسبوقة علي منصات القضاء أفصح بها الرجل عن الحكم قبل أن ينطق به كما أنه فور الانتهاء من القضية قدم استقالته في نفس الشهر وسافر للعمل في دولة عربية عرفت وقتها بالتشدد .
في ذلك اليوم ضاقت شقة نصر وابتهال في مدينة »‬ 6 أكتوبر »‬ بعشرات المصدومين من أجيال وثقافات مختلفة لا أحد منا يعرف ماذا يفعل سوي الشجب والغضب واتصلت بالدكتور أسامة الباز معاتبا عن إهمال القضية حتي وصلت إلي حكم غير متوقع صدوره في دولة تحارب الإرهاب .
رشح الباز المستشار فتحي نجيب ليقدم النصيحة القانونية المناسبة بعدما ضربت الفأس الرأس وهوشخصية قضائية مستنيرة تولت فيما بعد رئاسة المجلس الأعلي للقضاء ورئاسة المحكمة الدستورية وسبق أن مثل مصر أمام هيئة التحكيم في قضية طابا وشارك في صياغة العديد من التشريعات المهمة مثل قانون الملكية الفكرية وشاء القدر أن يموت بأزمة قلبية وهوفي الساحل الشمالي لغياب الرعاية الصحية المناسبة هناك في ذلك الوقت .
في مطعم علي سفينة ترسو عند نيل الجزيرة في مدخل حي الزمالك تناولت العشاء معه وكان تقديره أنه ليس أمامنا سوي الطعن علي الحكم أمام محكمة النقض .
وفي بيت عائلتها في حي الدقي قالت لي ابتهال يونس وقد ازدادت نحافة : »‬عايز أعرف حينفذوا الحكم إزاي ؟ » .

وسمعت من زوجها : »‬لوجاءت الشرطة إلينا سآخذ ابتهال في حضني ولو شاطرين يفرقونا عن بعضنا بالقوة » .
وخرجت روز اليوسف بغلاف عليه صورة زفافهما وكانت الصفحة الثالثة سوداء عليها جملة شاعت فيما بعد »‬ البقية في حريتكم».
وكشفت روز اليوسف عن قصة الحب التي ربطت بينهما وبدأت بمحاضرة ألقاها نصر في مؤتمر عن طه حسين أثارت إعجاب ابتهال فراحت تطلب منه نسخة منها وهي تخشي أن يعاملها مثل غالبية المفكرين بغرور ولكنها وجدت فيه إنسانا متواضعا فوافقت علي الزواج منه وفوجئت به يقبل بأن تكون العصمة في يدها تقديرا للمرأة واحتراما لها .
لكن الضربة القاضية جاءت بتأييد محكمة النقض للحكم فأصبح باتا نهائيا .
ولم يعد هناك مفر من أن يترك الزوجان مصر ليعيشا في هولندا بعد أن عرض قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة ليدن ( أقدم جامعات هولندا وتأسست عام 1575 ) علي نصر العمل فيه استاذا غير متفرغ لتثبت أن الغرب أكثر رحابة منا في التعامل مع مفكرينا وقبل أبوزيد العرض بعد أن وجد نفسه في منتصف عام 1995 مجبرا علي النفي خوفا علي حياته هو وزوجته .
وتخفيفا عن شعوره بالغربة كان العديد من أصدقائه المقربين (ومنهم الدكتور محمد أبوالغار والشاعر زين العابدين فؤاد والدكتور علي مبروك والدكتورة شيرين أبوالنجا) يمرون عليه في رحلاتهم إلي أوروبا ولم تمنحني الظروف تلك الفرصة وإن داومت علي الاتصال التليفوني به .
وجد أبوزيد نفسه أكثر تألقا في الغربة فضاعف من دراساته الجادة ووضع خططا لمشروعات شديدة الطموح منها ترجمة »‬ موسوعة القرآن »‬ وإعادة تفسير القرآن وفقا لترتيب النزول والسعي إلي تأسيس المعهد الدولي للدراسات القرآنية علي الإنترنت .
وفي عام 2000 حظي أبوزيد في جامعة ليدن علي كرسي كليفر ينخا وهو رمز للحرية بعد أن واجه الرجل النازية وقت إحتلال بلاده ورفض الانصياع لتعليمات جنرالاتها .
وبعد عامين نال أبوزيد ميدالية »‬حرية العبادة» من مؤسسة إليانور روزفلت وفي العام نفسه نال كرسي ابن رشد في جامعة أوترخت في هولندا.
وبينما أبوزيد يواصل ازدهاره أكاديميا في جامعات هولندا وتستقبله بترحاب وتقدير جامعات دول أخري بدأنا معركة تغيير قانون الحسبة الذي كان سببا فيما جري له ولغيره .
كان مباحا لكل من هب ودب أن يلجأ إلي القضاء في دعوي مباشرة يطلب فيها بتطبيق الحسبة علي من يشاء ولولم تكن له مصلحة مباشرة في رفع الدعوي .
وساندت روز اليوسف المحامية الشهيرة مني ذوالفقار في معركتها لتغيير القانون انطلاقا مما حدث في قضية أبوزيد الذي سعت لمساندته بعد حكم الاستئناف .
قدم وزير العدل وقتها المستشار فاروق سيف النصر مشروع قانون يمنع رفع دعاوي الحسبة إلا بعد المرور علي النيابة العامة علي أن ترفض المحاكم نظر هذا النوع من القضايا إذا ما رفع مباشرة إليها ولكن ذلك لم يكن ليكفي فشنت روز اليوسف حملة ضغط علي الحكومة والرئاسة ومجلس الشعب لكي يضاف إلي مشروع القانون مادة ضرورية تؤكد وجود مصلحة مثبتة من مقدم بلاغ الحسبة إلي النيابة العامة .
ونشرت نص مشروع القانون الذي طالبت به جمعيات حقوق الإنسان ودعت للتظاهر حتي إقراره وحملت وثيقة من مثقفين وأكاديميين إلي الرئيس عبر الدكتور أسامة الباز للتدخل لصالح مشروع القانون الذي نريده ويسد ثغرات في مشروع قانون سيف النصر الذي كان يمسك العصا من نصفها .
وفيما بعد سمعت من الدكتور كمال الجنزوري إنه بصفته رئيسا للحكومة ساند المشروع الذي طالبنا به حتي جري إقراره .
في 29 يناير عام 1996 صدر القانون بعد نحو العام من المطالبة به ونص في مادته الثالثة علي أن النيابة العامة تختص وحدها دون غيرها برفع الدعوي في قضايا الحسبة وعلي من يطلب رفع الدعوي أن يتقدم إلي النيابة العامة المختصة ببلاغه مشفوعا بالمستندات التي تؤيده وعلي النيابة العامة بعد إجراء التحقيقات اللازمة أن تصدر قرارا مسببا من المحامي العام بحفظ البلاغ أو رفع الدعوي خلال ثلاثين يوما ونصت المادة الثانية منه علي حق النائب العام في إلغاء قرار النيابة بالإحالة ليعيد التحقيقات إلي مكتبه الفني علي أن يصدر قراره خلال ثلاثين يوما بالحفظ أوالإحالة.
وبمقتضي هذا القانون أوقف تنفيذ حكم تفريق نصر وابتهال ولكنهما لم يعودا إلي مصر إلا بعد خمس سنوات من إقرار القانون .
كان الترحيب بعودة الزوجين مذهلا وكأنه إعتذار عما تعرضا إليه من متاعب نفسية يصعب علي بشر تحملها .. ضغوط حكم التفريق .. مخاوف من التصفية الجسدية .. قلق من اتهام بالزنا .. وحياة متواضعة في الغربة ولكن في المقابل وصف أبوزيد بآخر المجتهدين إسلاميا واتفق علي أنه كان امتدادا للإمام محمد عبده والدكتور طه حسين وفتحت أكثر الدول الإسلامية تشددا ذراعيها لاستقباله وفتحت صحفها صفحاتها وقنواتها لأفكاره .
ورغم أنه كان يكرر علي مسامع زوجته أنه سيعيش تسعين عاما إلا أنه لم يعش أكثر من 66 سنة فقد ولد في يوليوعام 1953 وتوفي في يوليوعام 2010 وبدت الوفاة في عيون البعض جنائيا وقدمت بلاغات للتحقيق فيها .
كان أبوزيد يقضي كثيرا من الوقت في إندونيسيا ليحقق حلمه بتأسيس معهد العلوم القرآنية وهناك أصيب بفيروس في الدماغ فعاد إلي مصر ليعالج منه وعندما دخل المستشفي لوحظ ضعف تركيزه وفقد إحساسه بالمكان وبعد أسبوع من العلاج بروشتة فرنسية تحسنت حالته ولكنه سرعان ما أصيب بإلتهاب رئوي ضاعف من حساسية الصدر التي يعاني منها وأنهي حياته .
هل اغتيل نصر أبوزيد ؟ .. ربما .. هل حقنوه بفيرس قاتل ؟ .. ربما .. ولكن .. المؤكد أنه إذا لم يمت بمرض دمر حياته مات مقهورا.
إن الجمعيات الخفية للقضاء علي المفكرين ظاهرة شائعة في بلادنا .. تختار أفضل العقول التي حبانا الله بها وتدمرها .. وأحيانا نشك في الجناة .. ونشير إليهم بأصابع الاتهام .. ولكننا .. لا نهتم بالإمساك بهم .. والإنتقام منهم .. لتقيد جرائمهم دائما »‬ ضد مجهول »‬ .
هنا أقترب بجرأة مشفوعة بالثقة من ما جري لمفكر نحفظ أسمه ونشير إلي كتبه حتي لو لم نقرأها هوالدكتور جمال حمدان .
أحيانا نحظي بجملة قصيرة .. كلماتها محدودة .. ولكنها تتجاوز في قيمتها شهادة عليا نحصل عليها مثل الدكتوراة .
قبل عقود طويلة .. بالتحديد في يناير عام 1980 .. أهداني الدكتور جمال حمدان الجزء الثالث من ماسته العلمية الثمينة »‬ شخصية مصر دراسة في عبقرية الزمان والمكان »‬ .
كتب بحروف كبيرة واضحة : »‬ للكاتب الصحفي الممتاز عادل حمودة تحية وتقديراً وشكرا ».
هل هناك وسام رفيع المستوي يمكن أن يحصل عليه صحفي في بداية مشواره المهني أعلي قيمة من مثل هذه الكلمات .
ولكن في الوقت نفسه شعرت أن كل كلمة أصيغها مسئولية تفرض نفسها علي ما أكتب وإلا تحول الوسام إلي حروف من خردة .
كنت قد تناولت الأجزاء التي صدرت من »‬ وصف مصر »‬ علي حلقات في مجلة »‬ الأهرام الاقتصادي »‬ وقت أن كان يرأس تحريرها عصام رفعت وأغلب الظن أن حمدان تابع ما أنشر فكان إهداء الجزء الثالث فور صدوره.
في ذلك الوقت كان حمدان قد إعتزل المناصب العلمية وقاطع الحياة العامة وسد الباب أمام كل من سعي إلي لقائه بمن فيهم أقرب الناس إليه لتتحول شقته المتواضعة إلي محراب علم للبحث والتأليف بعد أن قنع بأن حياته أقصر من تنفيذ أفكاره .
وكان يكتفي بتلقي الرسائل من تحت الباب أوعبر ناشره يوسف عبد الرحمن الذي كان الوساطة البشرية الوحيدة بينه وبيننا .
لم أكن انتظر الرد علي رسائلي لكنني عرفت فيما بعد أنه تعليقات علي الرسائل الشخصية التي تصله واحتفظ بها ليمنح مكتبة الإسكندرية فرصة جمعها في كتاب مستقل عنه بجانب مخطوطات أخري عثر عليها .
وحسب ما سمعت من أحمد بهاء الدين وكنا في بيته في حي الدقي بأن سر عزلة حمدان هجوم اليسار الشرس عليه خاصة عندما تنبأ في عام 1968 بسقوط الإمبراطورية الشيوعية وكان الإتحاد السوفيتي وقتها قوة عظمي تفرض سطوتها علي نصف الدنيا وقادرة علي صياغة مصيرها وبعد خمسة وعشرين سنة صدقت النبوءة وبالتحديد في عام 1989 وكان ما كان .
أما النبوءة الثانية فكانت جملة مختصرة كتبها حمدان بثقة هائلة : »‬إن الإسلام سيكون العدو القادم للغرب بعد سقوط الشيوعية» ولسنا في حاجة إلي القول أننا نعيش في زمن تحققت فيه تلك النبوءة .
وكانت هناك نبوءة ثالثة حول صراع الحضارات سبق بنشرها كتاب المفكر الأمريكي صمويل هينجتون الذي يحمل نفس الاسم .
ورغم مكانته العلمية التي لم يصل إليها غيره عاش حمدان بجنيهات قليلة يحصل عليها من ناشره فلم يكن الإقبال علي مؤلفاته الضخمة كبيرا .
أكثر من ذلك كان حمدان ينفق معظم دخله علي شراء الكتب والصحف والمجلات مكتفيا بوجبات متواضعة لا تزيد عن الفول والجرجير.
ولا شك أن كتابه »‬ شخصية مصر »‬ كان أيقونته الموسوعية التي أثرت في المثقفين والسياسيين وكانت مصدر شهرته ولكن هناك في الحقيقة كتبا أشد خطورة كتبها حمدان وظلت مجهولة وبعيدة عن التناول والاهتمام الذي تستحقه ومنها كتاب »‬ اليهود إنثربولجيا »‬ الذي يعد إنقلابا في الدراسات الإسرائيلية .
صدر الكتاب عام 1967 في أجواء هزيمة يونيوالتي وقعت في العام نفسه وأجبرت المثقفين علي دراسة العدو لنعرفه قبل أن نحاربه حسب الدعوة التي أطلقها أحمد بهاء الدين وقتها .
اثبت الكتاب أن اليهود المعاصرين ليسوا أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين بعد هدم هيكل سليمان وإنما هم ينتمون إلي قبائل تترية عاشت في المنطقة القريبة من بحر قزوين والبحر الأسود واعتنقوا اليهودية في القرن الثامن الميلادي وعاشوا في روسيا وتركيا .
وبعد عشر سنوات دعم الباحث الأوربي يرثر كوستلر تلك الحقيقة في كتابه »‬ القبيلة الثالثة عشرة »‬ الذي صدر في عام 1977 .
في 17 إبريل عام 1993 شب حريق في بيت حمدان أعلن بعده وفاته ولكن حسب تقرير يوسف الجندي مفتش صحة الجيزة لم يمت حمدان بالحرق الذي طال نصفه الأسفل فقط دون أن يكون كافيا لرحيله عن الدنيا وبدأ الحديث عن جريمة قتل دبرت له .
اختفت مخطوطة كتاب أنتهي منه عن اليهودية والصهيونية تقع في ألف صفحة كان ناشره سيتسلمها منه يوم الوفاة وقبل الوفاة بأيام كسرت قدم الخادم الذي يتردد عليه ويجهز طعامه ويرتب شقته وشهد الجيران أن رجلا وامرأة »‬ خواجات »‬ سكنا الشقة المقابلة لشقته قبل شهرين ونصف من اغتياله واختفيا قبل دفنه .
وأشار خبراء في الأمن إلي أن الموساد يمكن أن يكون وراء الجريمة ولكن لا أحد توقف طويلا عند ذلك الاتهام .
في كثير من الكتب التي نشرت عن الموساد إشارة إلي وجود وحدة خاصة تسمي »‬ وحدة جدعون »‬ تكونت في سبعينات القرن الماضي مهمتها تصفية كل من يعمل ضد إسرائيل أويفكر في الإضرار بها ولوفي آخر الدنيا فهل نفذت تلك الوحدة عملية جمال حمدان كما نفذت من قبل عملية يحيي المشد ؟ .
لكن النتيجة الأهم : إننا أن لم نقتل المفكرين بأيدينا تطوع غيرنا للإجهاز عليهم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.