امتداد موجة الحر من ناحية، وتأجيل موعد بدء الدراسة حتي هذا الأسبوع.. كانا السببين الرئيسيين في إبقاء علامات الحياة في الساحل الشمالي لأطول فترة ممكنة هذا العام. ومع ذلك.. فها نحن نصل لنهاية الموسم. وها هي الأضواء تطفأ، ومظاهر الحياة تختفي. والقري التي نسميها »سياحية» رغم أنها لم تر السياح منذ نشأتها، تغلق أبوابها، ولا يبقي إلا الصمت يخيم علي أجمل شواطئ الدنيا، ويعطينا شهادة التفوق في إهدار ثروة وطنية كان من الممكن أن تضاعف دخلنا من السياحة »حتي في الظروف الطبيعية» عدة مرات!! كان الأمر في بدايته مجرد مبادرة لتوجيه الانظار إلي ضرورة بدء استغلال هذا الموقع النادر حيث أجمل شواطئ الدنيا كلها. لكن الأمر بعد ذلك تحول لكارثة، حين تم تبديد الشاطئ الساحر وتوزيعه علي جمعيات أو هيئات أو مستثمرين، لكي يقيموا هذه الكتل الاسمنتية، ولكي يهدروا الشاطئ في بناء الشاليهات والقصور الخاصة التي يستخدمونها لأسابيع أو شهور قليلة ثم تغلق طوال العام!! كان المفروض أن نستغل المساحة بين الإسكندرية ومطروح وفق تخطيط متكامل يترك الشاطئ للاستمتاع، ويقيم أجمل وأطول كورنيش في العالم، ثم يقيم مئات الفنادق العالمية والخدمات اللازمة لها، وخلفها تقوم أكثر من اسكندرية حديثة ومطورة، تمزج بين روح البحر المتوسط مع سحر الصحراء وروعة مصر بكل أسرار جمالها. لم يكن الأمر في حاجة لمعجزة، بل لرؤية سليمة. بدليل أن الغردقة بدأت في موعد مقارب، ولكن بتخطيط معقول، حتي وإن تم الخروج عليه بالنفوذ أو الفساد.. لكن في النهاية كان هناك توجه بإعطاء الأولوية للسياحة. ثم كانت هناك »الجونة» بفكرها المتقدم الذي يبدو عدم الاقتداء به في مشروعات مماثلة في الساحل طوال هذه السنوات أمراً غير مفهوم وغير مبرر!! ولم تكن الغردقة وحدها. كانت هناك »شرم الشيخ» والتي لقيت عناية خاصة من الدولة في سنوات السابقة، ولكنها أثمرت منتجعاً سياحياً عالمياً لابد من الحفاظ عليه وتنميته، وإعادة تسويقه بالصورة التي يستحقها من أجل سياحة لاتعوض فقط غياب السائح الروسي، بل تجلب السائح الأهم والأكثر إنفاقاً.. وليتنا نستغل هذه الفترة من الركود النسبي في تزويد المدينة بكل مقتضيات السياحة الأكثر انفاقاً، من وسائل ترفيه ومن مقاصد ثقافية وفنية. نادينا - عبر سنوات - بأن يكون لدينا علي طول الساحل الشمالي أكثر من »شرم الشيخ» أو »الغردقة» و»الجونة». وأن يكون ذلك هو السبيل لكي لاتطفأ أنوار الساحل طوال العام ماعدا شهرين في الصيف يذهب فيهما أصحاب القري »غير السياحية» لكي يثيروا الضوضاء في سواحل كان من الممكن لو أحسن التخطيط أن تسعد ملايين المواطنين بالاستمتاع بأجمل شواطئ الدنيا، وأن تجلب عشرات الملايين من السياح ليكونوا مصدر خير لبلادنا. ولم يحدث شيء من ذلك. استمر سماسرة القطاع العقاري في حكاية القري »غير السياحية» لأنها الأربح. وحتي عندما فرض القانون بناء فندق في كل قرية جديدة، تم التحايل علي ذلك!! ولأن لدينا من يملكون أكثر من اللازم، فقد أصبح ضرورياً أن نقدم لهم علي الدوام مايجعلهم يدفعون الملايين من أجل التباهي بأنهم يملكون الأغلي في الساحل.. كما يملكونه في كل مكان آخر!! أمران سيحددان مستقبل الساحل. الأمر الأول أن تنجح مدينة »العلمين» الجديدة في أن تكون مصدراً لرؤية جديدة بالفعل. أن تقوم بدور عاصمة الإقليم التي توفر الخدمات الأساسية وتكون نقطة الجذب لإقامة حياة دائمة وجميلة طوال العام في الساحل، وتكون أيضاً مركزاً للتنمية الشاملة ونموذجاً للسياحة كما نتمناها. والأمر الثاني والهام.. أن نحافظ علي ما تبقي من شواطئنا الغربية، وأن نوقف علي الفور كل عمليات الاهدار الجديدة التي تتم عبر الاستمرار في انشاء القري »غير السياحية». يكفي ما حدث، ولتكن هناك بداية جديدة لايتحول فيها الساحل الشمالي إلي مدن أشباح خاوية طوال تسعة شهور في العام. أهدرنا الكثير لكن ما تبقي يمكن لوحافظنا عليه أن يكون مصدر خير لمصر بغير حدود. أطفئت أنوار الساحل. بالنسبة لي هذا هو الموعد الأجمل لكي تعانق البحر تاركاً وراء ظهرك كل قبح زحف علي الإسكندرية أو بورسعيد!!