نستكمل اليوم حديثنا عن صناعة العلامة الوطنية للدولة، وكنا قد توقفنا في المقال السابق عند دور الحكومات كأحد الأطراف المنوط بها بناء وتنفيذ استراتيجية صياغة العلامة الوطنية. واليوم ننتقل معًا إلي الحديث عن الطرف الثاني في تلك الجزئية وهم: أصحاب المصالح، ولعل المقصود بأصحاب المصلحة هنا هم: القطاع الخاص، والقطاعات التجارية والإعلام والسياحة علي وجه الخصوص، والمواطنون بكل تأكيد. وقد حدث وتناقشت منذ يومين تقريبًا مع أحد المهتمين أنه أبدي اعتراضه علي فكرة أن يصبح المواطن شريكًا في صنع وصياغة علامة بلده الوطنية، وسألني: لماذا تريدين إقحام المواطن في تلك العملية؟! وكان ردِّي ببساطة هو أن هذه المشاركة من جانب المواطنين ذات أهمية بل وأهمية كبيرة جدًّا، فتعبير المواطن عن مصالحه بداخل العلامة الوطنية يضمن من ناحية الوصول إلي تقديم صورة متجانسة (داخلية وخارجية) تعبر عن روح البلد، ومن جهة أخري تقدِّم تلك المشاركة أيضًا الرؤية المستمرة لعملية بناء العلامة الوطنية، فعملية الصياغة تقتضي تأسيس تحالف ما بين جميع الأطراف المعنية داخل الدولة وأيضًا خارجها، وبلا أدني شك فإنه بدون حدوث نوع من التعاون القوي والمثمر بين جميع الإطراف، قد تفشل عملية صناعة العلامة الوطنية؛ لأنه وببساطة أيضًا سيقوم كل طرف بإرسال صورة مختلفة عن بلده للعالم، مما يترتب عليه إرسال مجموعة متنوعة من الصور التي غالبًا ما تكون متضاربة أو متناقضة، الأمر الذي يؤدي إلي الإضرار بتلك العملية، ووصولها مشوشة وغير محددة ولا واضحة المعالم أو الرؤية. بالإضافة إلي أن التعاون ما بين الجهات الحكومية وغير الحكومية يوفر قدرًا جيدًا لكفاءة أنشطة استراتيجية العلامة الوطنية، وأيضًا ترشيد الموارد، وكذلك توظيف قدرة الدولة علي نحو عالي المستوي لتحقيق الأهداف المرجوة في نهاية الأمر. وفي إشارة سريعة وجب علينا ألَّا ننهي تلك النقطة بدون الالتفات إلي أهمية تعبئة مواطني الدولة في الخارج، فهم ركن أساسي، وثروة لا تقدر بثمن بما يملكونه من كفاءات وقدرات ومهارات، إضافة إلي الجزء الأهم وهو دورهم كحلقة وصل بين الدولة الأم ومؤسسات الأعمال الدولية، فهم الجسور الحقيقية للعبور للعالم -إن جاز التعبير- ولعله يتعين علينا الآن بعد تحديد الأطراف المعنية ببناء وتنفيذ استراتيجية صناعة العلامة الوطنية والمتمثلين في الأساس في الحكومات وأصحاب المصالح، أن نشير هنا إلي مبدأين أساسيين لا بد من توافرهما متعلقين بهذين الفاعلين اللذين تمت الإشارة إليهما في السطور السابقة، وأول تلك المبادئ الشمولية: والأساس هنا هو الإقرار بانخراط كل الأطراف المعنية التي تحدثنا عنها والمعنية ببناء وتنفيذ استراتيجية صناعة العلامة الوطنية، وذلك لضمانات كثيرة كتحفيز العاملين والتزامهم والاصطفاف واستثارة الابداع في جميع المجالات...إلخ، وهناك نموذج يعرف ب (FIST) يمكن الاسترشاد به في تلك الجزئية. أما المبدأ الثاني فيعرف بالتموضع: وهو مبدأ معروف في عالم التسويق، يشير دائمًا إلي الخصائص الملموسة لأي منتج مثل: الشعار، اللون، سبب الاستخدام، التغليف،...إلخ، وهذا المبدأ يعد الأساس في التعامل مع وكالات الدعاية أو الاستشارات، الأمر الذي يصب في النهاية في فكرة تثبيت وحمل الهوية بجوهرها وصورتها عبر المستقبلين من دون تشويش. وللحديث بقية.