اتخذت الصين عدة قرارات جديدة لمقاومة الفساد بين المسئولين. وسائل الإعلام العالمية ركزت لأسباب ترويجية علي منع الوزراء وكبار المسئولين من لعب الجولف. لكن الحقيقة أن القرارات أعمق من ذلك، فهي تقول للمسئولين إن عليهم أن يعيشوا عيشة متواضعة، وأن يبتعدوا عن الإسراف والبذخ في حياتهم، وأن يقدموا المثل للآخرين في تبني أسلوب حياة يوفر للدولة إمكانية التقدم، ولا يستفز الغالبية الفقيرة، ولا يفتح أبواباً للفساد والإفساد. يحدث هذا في دولة تملك ثاني أقوي اقتصاد في العالم، وتريد خلال بضع سنوات أن تكون الأولي وتتخطي أمريكا بكل قوتها وثرواتها، ولهذا تعتبر الصين هبوط نسبة النمو في اقتصادها إلي 7 أو 8٪ كارثة يجب أن تتوقف عندها وأن تراجع سياساتها لتستعيد النسبة السابقة التي كانت تتعدي ال 10٪ لسنوات عديدة. ويحدث هذا في دولة لا تتهاون مع مسئول فاسد فلا يكون مصيره إلا الإعدام أو الانتحار. ومع هذا تجد أن عليها أن تنبه كبار المسئولين حتي لا يقعوا في الخطأ. بل إنها تأخذ الوزراء إلي السجون ليروا بأنفسهم مصير آخرين كانوا في قمة السلطة، ثم قادهم الفساد إلي زنازين السجون. نقول ذلك، ونحن ندعم قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي برفض التصالح في قضايا مخالفات البناء. هذه المخالفات التي نعاني منها منذ أربعين سنة، والتي كان النظام دائما يفتح أمامها أبواب التصالح، بحجة أن ما وقع قد وقع، وأن تنفيذ القانون سيضر بالكثيرين! وأن الدولة أولي بما سيدفعه المخالفون من غرامات، والمسئولون بالطبع أولي بما سيقبضونه من رشاوي، حتي ولو كان الثمن عمارات تهوي علي رؤوس ساكنيها، وأراضي زراعية يتم تبويرها، وقوانين تنتهك دون خوف من عقاب لأن النهاية ستكون التصالح.. والصلح خير ولو كان علي جثة القانون! وقرار الرئيس السيسي برفض التصالح في قضايا البناء يطرح العديد من الاسئلة حول قوانين أخري تتصل بالتصالح مع الفساد، لعل أشهرها وأهمها القانون الخاص بالتصالح مع من نهبوا المال العام إذا أعادوا ما نهبوه حتي ولو كانت قد صدرت ضدهم أحكام قضائية نهائية تعاقبهم علي جرائمهم! والحجة هي نفس الحجة في قانون مخالفات البناء.. وهي أن الدولة ستستفيد من استرجاع بعض الأموال المنهوبة كما كانت ستستفيد من غرامات مخالفة البناء! والمافيا هي نفس المافيا التي تريد أن تسرق وتنهب في حماية القانون! والكارثة هي الكارثة.. سواء في مسئولين يعرضون ذمتهم في مزاد الفساد، أو في فاسدين أدمنوا نهب المال العام، وأقاموا فيما بينهم أقوي حزب في مصر، وهو حزب الفساد الذي اخترق معظم مؤسسات الدولة، والذي يسعي الآن بكل قواه للسيطرة علي مجلس النواب وينفق مئات الملايين من الجنيهات في معركة يعتبرها مصيرية، لأنها تمكنه من السيطرةعلي عملية التشريع بأقل ثمن ممكن لشراء نواب تحت قبة البرلمان وتحت سيطرة من جاءوا بهم وأنفقوا عليهم، لكي يكونوا أدواتهم في إصدار التشريعات التي تحمي احتكاراتهم، أو تجعل الحكومة تسعي للتصالح معهم، وغض البصر عن مخالفاتهم للقانون، ومحاباتهم علي حساب المصلحة العامة، وتمرير سياسات تلقي العبء كله علي الفقراء، وتفتح الباب لرموز الفساد القديم لكي يجددوا فسادهم بما أنفقوه علي أحزاب تدعي الانتماء للثورة، وبما يحققونه من حضور إعلامي وسياسي واقتصادي يحاول أن يعطي الايحاء بأن المستقبل لهم، كما كان الماضي في أيديهم! قرار رفض التصالح في مخالفات البناء ينبغي أن يتحول إلي سياسة عامة لا تتهاون مع فساد، ولا تسمح للوجوه القبيحة للنظام القديم الذي قادنا لما نحن فيه من أزمات أن تعود، ولا لمن نهبوا المال العام أن يستخدموه للسيطرة مرة أخري علي مقاليد الأمور. أما من يحلمون بعودة الماضي بعد ثورتين، فلينظروا إلي الصين ويحمدوا الله كثيرا، ويدركوا استحالة أن يقولوا للزمان.. ارجع يا زمان!