"لا يكاد الاقتصاد المصري يشعر ببدء عودة النبض إلي شرايينه الهزيلة، حتي يفاجأ بصدمة جديدة تعيده إلي مرحلة الهزال الشديد، التي يعاني منها منذ انطلاق ثورة يناير المباركة في 25 يناير 2011.. فالعنف وعدم الاستقرار هما الفيروسان اللذان يفتكان بأي اقتصاد.. ويزداد خطرهما مع استمرار موجات العنف علي مدي 14 شهرا في مصر..بدءا من أحداث الثورة نفسها.. ثم اشتباكات محمد محمود.. وماسبيرو.. ومجلس الشعب.. وأخيرا العباسية.. والتي كادت أن تصبح القشة التي قسمت ظهر البعير.. وهو ما جعل خبراء الاقتصاد والاستثمار يدقون ناقوس الخطر قبل فوات الأوان ". في البداية يؤكد د. إبراهيم فوزي وزير الصناعة ورئيس الهيئة العامة للاستثمار الأسبق أن أحداث العنف الأخيرة التي وقعت بالعباسية لها تأثير مدمر علي الاقتصاد المصري، لأنها تشير إلي أن البلد ليس به أمن أو أمان، ولا قانون، ولا ضبط أو ربط، وكل ذلك يؤدي بالمستثمر إلي التفكير في التوقف عن نشاطه، ونقله من مصر إلي أي دولة اخري تتوافر بها عوامل الأمن والاستقرار. ويضيف د.إبراهيم أنه كأحد المهتمين بجذب استثمارات أجنبية لمصر أصبح يشعر بالخجل من التحدث مع مستثمرين بالخارج، ومجرد مفاتحتهم في القدوم لمصر والاستثمار علي أرضها، بسبب تكرار حوادث العنف، كما ان عددا من المستثمرين الاجانب الذين يعرفهم قرروا الغاء مشروعات كانوا قد شرعوا في تنفيذها في مصر، ومن بينها علي سبيل المثال قيام مجموعة من المستثمرين باغلاق مصنع ضخم للزجاج، بعد ان انفقوا 5 ملايين دولار علي البنية التحتية والتراخيص والاجراءات، وذلك بسبب تكرار حالات العنف في مصر. وأضاف وزير الصناعة الأسبق: لقد قام المصريون بثورة للقضاء علي الفساد في مصر، خاصة في المجال الاقتصادي، ولكن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها مصر منذ قيام الثورة وحتي الآن بسبب أحداث العنف تفوق الخسائر التي تمت خلال عهد الرئيس السابق، ولذلك فإنني أتعجب من الناس الذين ينادون بمكافحة الفساد، ثم يقفون في الشوارع كل فترة لتعطيل مصالح الناس، وتدمير الاقتصاد، وعليهم مراجعة انفسهم، وتغليب المصلحة العامة، من خلال التعبير عن مطالبهم بشكل حضاري، لا يسبب ضررا لغيرهم من المواطنين، أو لاقتصاد البلد. نكسة كبيرة وتؤكد الدكتورة ماجدة قنديل المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية أنه لا يوجد شك في أن هناك تبعات سلبية كثيرة علي الاقتصاد المصري من جراء أحداث العنف الأخيرة، وأصبح واضحا أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي علي قرض ال 3.2 مليون دولار لمصر لم يعد وشيكا كما تعلن الحكومة باستمرار، لأن تطورات أحداث العنف الأخيرة تعكس حالة عدم الاستقرار السياسي في مصر.. وتتسبب الأحداث الأخيرة في ازدياد الأزمة الاقتصادية حدة بعد أن تأثرت حركة النشاط الاقتصادي سلبيا بشكل كبير بسبب تراجع معدلات التدفق السياحي لمصر وتراجع معدلات الاستثمار الأجنبي، وهبوط النشاط التجاري والاستثماري، وكل هذه المظاهر ترسخ حالة عدم الاستقرار، خاصة أن التصعيد الذي شهدته الأيام الأخيرة بعد فترة من الثبات والاحتقان يمثل نكسة كبيرة للاقتصاد المصري، خاصة ان ذلك يتزامن مع الوقت الذي لا يتحمل فيه اقتصادنا كل هذه الضغوط. وتضيف د. ماجدة: لذلك يجب أن يفكر الناس في تغليب المصلحة العامة علي مصالحهم الخاصة، خاصة أن هناك انفراجا في عملية تسليم السلطة بعد اعلان المجلس العسكري عن تسليمها للرئيس المنتخب فور ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويتفق معها في الرأي الخبير الاقتصادي د. حسين عيسي نائب رئيس جامعة عين شمس مؤكدا أن اي مستثمر سواء كان أجنبيا أو محليا يعزف عن الاستثمار، وقد يصفي أعماله بسبب تكرار أحداث العنف التي تشهدها مصر، لأن الاستثمار يبحث عن الاستقرار، وصاحب رأس المال يريد مكانا آمنا يطمئن فيه علي نفسه وماله واستثماراته. ويضيف د. حسين أن هذه الأحداث المتكررة تؤدي لتراجع دوران حركة الاقتصاد، وهو ما يعني أن الدولة ستفقد جزءا كبيرا من مواردها الممثلة في الضرائب ، نظرا لتراجع الأرباح، كما سيؤدي ذلك إلي تسريح جانب من العمالة بسبب عدم قدرة رجال الأعمال علي دفع مرتبات العاملين لديهم، وهو ما يؤدي إلي زيادة نسبة البطالة.. بخلاف تدهور معدلات جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية لمصر. زيادة البطالة أما المحاسب القانوني أشرف عبد الغني رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية فيري أن الخزانة العامة للدولة ستكون الأكثر تضررا من تكرار أحداث العنف التي تشهدها مصر، لأن ذلك معناه استمرار أزمة الركود في القطاع السياحي، وبالتالي انخفاض حصيلة الضرائب، لأن القطاع السياحي حقق نحو 14 مليار دولار خلال عام 2010، لكنه تراجع بشدة خلال عام 1102، ولم يستطع النهوض خلال عام 2012 بسبب أحداث العنف المتكررة التي تجعل السياح يعزفون عن القدوم لمصر، وتراجع السياحة معناه انخفاض ايرادات ما يقرب من 30 جهة تحصل علي رسوم وضرائب من النشاط السياحي، بخلاف عشرات الحرف والمهن المرتبطة بالسياحة، كلها شبه متوقفة عن العمل، وسرحت عددا كبيرا من عمالها بعد تدهور القطاع السياحي، وهو ما تسبب في تعطل مئات الآلاف من الشباب عن العمل.. وهو ما ستزداد وطأته خلال الفترة القادمة بسبب تكرار أحداث العنف في مصر. ويضيف أشرف عبد الغني أن المستثمر الأجنبي عندما يفكر في الاستثمار في دولة يبني دراسات الجدوي لمشروعه علي أساس استقرار هذه الدولة وامنها وثبات قوانينها، وهو ما لا يتوافر في مصر حاليا بسبب تكرار أحداث العنف.