لم يقف أعداء مصر مؤيدين ل «الإخوان» وداعمين لاستيلائهم علي الحكم إلا خوفاً من ان تسير مصر بعد ثورة يناير في نفس الطريق الذي سارت فيه من قبل بعد ثورة يوليو 1952 لتحقيق العدل وضرب الفساد وبناء الدولة القوية التي تملك قرارها وتفرض إرادتها وتوحد العرب علي طريق الخير والتقدم. وكما هو الوضع الآن.. لم يكن الطريق سهلا أمام ثورة يوليو وهي ترث دولة محتلة، وفسادا هائلا، وظلما اجتماعيا فاق الحدود وجعل 90٪ من شعب مصر يواجهون الفقر والجهل والمرض، بينما الحكومات المتتالية تبشرهم بمشروعها «القومي» الكبير لمقاومة الحفاء!! لكن قادة يوليو لم يستسلموا لهذا الواقع، ولم يلجأوا للحلول السهلة، بل أدركوا من البداية ان الشعب الذي منحهم الشرعية وحول «الحركة المباركة» إلي ثورة حقيقية هو صاحب المصلحة وهو صاحب القرار. ومن هنا كانت البداية لهذه الصفحة الناصعة في تاريخ مصر. انحازت الثورة للفقراء فالتفوا حولها، وبنت أكبر طبقة متوسطة في تاريخ مصر فامتلكت أهم عوامل التقدم المستند علي العلم والعمل، أعطت يوليو الفرصة كاملة للجميع لكي يشاركوا في بناء الوطن وأصدرت أفضل قانون لتشجيع الاستثمار، لكن من كانوا يملكون المال في هذا الوقت رفضوا المساهمة «هل يذكرك هذا بشيء مانراه الآن؟!» وكان الرد هو تحمل الدولة لأعباء التنمية وانشاء القطاع العام وقرارات التمصير والتأميم التي حشدت كل موارد مصر لمعركة البناء واقامة الصناعة الوطنية وتوفير الخدمات لمن حرموا منها مئات السنين. وانحازت الثورة لعروبتها فكان المد القومي الذي حرر أغلب الدول العربية من ذل الاستعمار وأعاد للعرب ثرواتهم المنهوبة.. وانحازت يوليو لحركة التحرر العالمية وخاصة في افريقيا حيث كانت القاهرة هي عاصمة طلاب الحرية والاستقلال من الزعماء الافارقة، وكانت مصر هي السند الرئيسي لهم قبل الاستقلال وبعد أن بدأوا في بناء دولهم من نقطة الصفر. وغيرت مصر العالم كله بتأميم قناة السويس، ثم بانتصارها علي العدوان الثلاثي الذي كتب النهاية لامبراطوريات لم تكن تغيب عنها الشمس، وأكد أن عصر الحرية قادم. وكانت ل «يوليو» أخطاؤها ولحظاتها الصعبة وانكساراتها الكبيرة وأهمها بالطبع هزيمة يونيو التي استطاعت مصر أن تعبرها بعد ذلك إلي نصر اكتوبر العظيم بفضل التفاف الشعب حول قيادته ودعمه الكامل لجيشه الوطني وهو يخوض معركة الثأر والكرامة. ويبقي الدرس الأكبر الذي تركته يوليو وهو أن الديمقراطية هي التي تستطيع حماية ما تنجزه الثورة، وفي غيابها انقض أعداء يوليو عليها في الستينيات بعد رحيل عبدالناصر. استولوا علي السلطة وغيروا السياسات ، وارتبطوا بالتبعية، وحاولوا تصفية كل منجزات يوليو التي كانت أكبر منهم وأقوي من داعميهم فكانت الثورة في يناير ويونيو، وكانت صور عبدالناصر في ميادين التحرير في الوطن العربي كله، عونا جديدا بأن طريق الاستقلال والتنمية وكرامة الانسان والوطن هو الطريق الذي لابديل عنه مهما كانت التضحيات. تحية لثورة يوليو في عيدها، ولقائدها الراحل العظيم جمال عبدالناصر.