الآن انقلب الحال وأصبح الفلاح يعاني.. والدولة تعامله بقسوة.. فتركته محاصرا بين ارتفاع أسعار السماد والبذور والسولار.. ومطالب بنك الائتمان الزراعي بحكم نشأتي في الريف.. أعرف كم يعاني الفلاح من حكم الزمن؟.. ففي بداياتي الأولي عملت في المقاومة اليدوية لدودة القطن بأجر 6 قروش في اليوم.. نعمل من بداية النهار وحتي المغرب.. وعملت في جني القطن مقابل عشرة قروش في اليوم.. نتحمل الإصابة من خربشة اللوز.. ويا كرم ربنا لو قدم صاحب الأرض غداء لنا عبارة عن فتة عدس أو ملوخية.. بدلاً من الجبنة القديمة التي تحرق القلب والمعدة.. ونفرح عندما نكبس القطن في «أجولة» والأقوي من يستطيع أن يكبس أكبر عدد من الكيلوجرامات.. وبعد الحصاد يورده الفلاح إلي الجمعية الزراعية - ليتم البيع بالقنطار - ويتم عمل تسوية بين الفلاح والجمعية ويخصم ثمن السماد والضرائب ورش القطن بالطائرات أوبالموتور.. ويحصل في النهاية علي عدد قليل من الجنيهات.. كم كانت كبيرة في بركتها.. فمنها يحج الي بيت الله ويجدد منزله ويزوج أولاده. وكم كانت أغنية محمد عبد الوهاب «محلاها عيشة الفلاح» خير دليل علي ذلك. أما الآن فقد انقلب الحال وأصبح الفلاح يعاني.. والدولة تعامله بمنتهي القسوة.. فتركته محاصرا بين ارتفاع الأسعار من سماد وبذور وبنزين.. ومطالب بنك الائتمان الزراعي الذي حل محل الجمعية الزراعية. لقد حضرت تقسيم الأراضي الزراعية إلي دورات.. هذه المساحة تزرع قطنا.. وهذا قمح.. وذلك أرز.. وهكذا تدور الدورة ولكن بعد تحرير الأرض والدورة الزراعية.. ضاع الفلاح بين متطلبات الحياة ومتطلبات الأرض التي يمتلكها.. فإذا زرع قطنا لا يجد من يشتريه.. وإذا زرع أرزاً.. وجد الغرامات تنتظره بسبب زراعته بدون موافقة الدولة.. ومع ذلك يصمم علي ذلك.. لأن الأرز في البيت.. يغنيه عن استهلاك الخبز فهو الوجبة الرئيسية والأساسية كل يوم علي مائدة الفلاح. وحتي الماضي القريب.. كنت أشاهد الطبيب البيطري وهو يعطي المواشي التطعيم اللازم.. ولكن للأسف تغيرت الدنيا.. واصبحت الأمراض تفتك بالمواشي.. مثل الحمي القلاعية.. ويا خراب بيت أي فلاح تصاب ماشيته.. فيلطم الخدود ويصرخ ويقول «أنتي فين يا دولة»!! وحتي الماضي القريب أيضاً - كان الفلاح يروي أرضه «بالراحة» لتوافر المياه في الترع والمصارف.. أما الآن فالوضع.. أكثر مأساوية.. فقد انسحبت كراكات وزارة الري من تنظيف الترع والمصارف.. وقلت مياه النيل وتحولت هذه القنوات الي مكان للصرف الصحي وعلي الفلاح أن يشرب ويسقي أراضيه منها.. فانتشرت أمراض الفشل الكلوي والكبدي.. واعتمد الفلاح القادر علي شراء ماكينة ري علي المياه الجوفية.. بدلاً من الاعتماد علي مياه الصرف الصحي.. وعليه تحمل زيادة اسعار البنزين والسولار. أما آخر عمليات التنكيل بالفلاح.. هوالتصريح الذي خرج علي لسان وزير الزراعة بأن الدولة رفعت يدها عن زراعة ودعم القطن.. وأصبح الفلاح حرا في زراعته وانخفضت مساحة زراعته من 2 مليون فدان إلي 400 الف فقط بعد أن تحولت زراعة الي عبء اقتصادي وبدني علي الفلاح.. فإذا زرعه لا يستطيع بيعه.. رحمة الله علي الذهب الأبيض «القطن المصري» وافرحي يا حكومة بزراعة الفراولة والكنتالوب .. وسوف نري في المستقبل الفلاح يفطر فراولة ويتغدي كنتالوب ويتعشي كنتاكي!!