علي أيام الصبا التي عشتها في القرية كان الفلاح يروي أرضه بالراحة لتوافر المياه في الترع والمصارف.. أما الآن فالوضع مأساوي فليس هناك سوي مياه المجاري لا أدري لماذا تتحالف الدولة عن عمد بكل أجهزتها ضد الفلاح الغلبان الذي يعاني الأمرين في زراعة عدة قراريط من الأرض ورثها عن والده أو اشتراها نتيجة عرق وجهد سنوات طويلة؟! منذ عدة سنوات تخلي الفلاح عن زراعة القطن «الذهب الأبيض» اجباريا بعد ان تحولت زراعته إلي عبء مادي وتكون الخسارة في انتظاره بعد الحصاد.. بعد فشله في تسويق المحصول وتخلي الدولة عنه وتركه يعاني من عوامل التعرية.. فقديما كان حصاد القطن بالنسبة للفلاح يمثل عيدا.. وكم من الأغاني قدمت للفلاح وهو يجني المحصول فقد كان يمثل له قدوم الخير.. فيجدد منزله أو يحج إلي بيت الله .. أو يزوج أحد أولاده.. أما الآن فقد تغير الوضع.. وتحولت مظاهر الفرح إلي حزن بعد ارتفاع تكلفة الانتاج من أسمدة وسولار وعمالة وبالتالي زيادة الخسائر. فبعد ارتفاع سعر السولار لجأت الدولة في هذه الأيام لرفع سعر الاسمدة بنسبة 33٪ وهي أساساً غير متوافرة ويتم شراؤها من السوق السوداء مما زاد العبء المادي علي الفلاح فأصبح زراعة الأرض تمثل له كابوساً.. فهو لايستطيع ان يتركها حتي لايموت جوعا هو وأولاده أو تتراكم الديون عليه بعد ارتفاع اسعار مستلزمات الانتاج. علي أيام الصبا التي عشتها في القرية كان الفلاح يروي أرضه بالراحة لتوافر المياه في الترع والمصارف.. ونحن نصطاد السمك البلطي بكل سهولة وتقوم كراكات وزارة الري بتطهير الترع والمصارف من كل الملوثات.. وبالتالي لم يكن الفلاح في حاجة إلي استخدام آلات الري الحديثة وكان يعتمد علي دوران الساقية باستخدام الجمل أو البقرة أو الجاموسة التي يمتلكها. ومع مرور السنوات تحولت الترع والمصارف إلي مستنقعات ومكان للصرف الصحي وأصبح الفلاح يعاني من عدم نظافة المياه وندرتها ولجأ إلياستخدام المياه الجوفية لزراعة أرضه.. مما ترتب عليه شراء ماكينات للري تستخدم السولار.. وكل هذا علي حساب التكلفة الفعلية.. والآن جاء الدور علي السماد لتترك الدولة الفلاح يعاني من ندرة المياه وانتشار الأمراض نتيجة تلوثها وارتفاع اسعار السولار والسماد.. والتخلي عنه في شراء المحاصيل منه لتعويضه جزءا من الخسارة. ولم تترك الدولة الفلاح يزرع ما يريد.. فمنعت زراعة الأرز في بعض المناطق بحجة عدم توافر المياه وتركها في مناطق أخري مما اضطر الفلاح إلي زراعته في المناطق الممنوعة لأن الأرز يمثل مسألة حياة أو موت للفلاح ولأنه أهم عنده من رغيف الخبز.. وتلجأ الدولة لفرض غرامات علي كل من يخالف ويزرع في الممنوع مما يزيد العبء معي الفلاح. ياحكومتنا.. نظرة بكل حيادية إلي الفلاح.. ومد يد العون له بدلا من القسوة.. يكفيه متطلبات الحياة وضغوطها وعدم توافر منازل للتوسع بعد أن كبر الأولاد فلجأ إلي البناء العشوائي علي الأراضي الزراعية.. ومحاربة الدولة لهذه المباني بعد ان أكلت مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية.
صديقي أنور محمد.. دفعتي في كلية الإعلام.. كان فيه من الطيبة الكثير.. كان يصدق أمورا كثيرة هي في واقع الأمر من صنع الخيال.. وكون ثلاثي الضحك والمقالب مع المرحوم فؤاد فواز والصديق محمد رجب مدير تحرير أخبار الحوادث.. في آخر الأيام تفرغ للعبادة.. كان كل يوم عبر الفيس بوك يذكر الناس بصلاة التهجد وصلاة الفجر.. كتب من الإسكندرية قبل سفره إليها من رأس البر بأنها معشوقته التي في انتظارها.. لم يكن يعرف أن القدر وصل إلي نهايته فمات هناك وكل كتاباته الأخيرة كانت تعني النهاية.. رحم الله صديقي أنور محمد وأعان الله ابنه الوحيد محمد أنور محمد.