القضاء يطهر نفسه حسب ما نسبه الإعلام إلي السيد المستشار وزير العدل, وأضيف إن أراد ذلك, ولكنه لا يفعل فما العمل؟ القضاء الذي لا يساوي نفسه بأفراد الشعب ولا يدفع بالقانون غرامات مرور ويدفع بأبنائه في سلك القضاء متجاوزا أحقية من هم أكفأ منهم من أبناء الشعب ويدين من أدان تزوير الانتخابات في عقود ماضية, والذي يتقاضي بعض أعضائه الهدايا بالمخالفة للقانون ثم لا أحد يحاسبهم, هل هو القضاء الذي يطهر نفسه؟ ولا يعني هذا أن القضاء جميعه متماثل في نقائه أو فساده فهناك العديد من الشرفاء الذين آلوا علي أنفسهم إلا أن يحكموا بالعدل ولكن السمة الأساسية للقضاء أنه غير ناجز وبطيء ويحتاج إلي العديد من المقومات كي نقول أن عندنا عدالة ناجزة منضبطة. لست هنا بصدد ما يتردد في الدول الغربية عن العدل الناجز كمقوم للمجتمع رغم أنه عدل نسبي في مقابل العدل المطلق الذي نعرفه ولكننا لا نطبقه! القضاء يحكم باسم الشعب مقولة صحيحة ويجب أن يتفهمها أعضاء المجالس النيابية فلا يجيزون قانونا لا يحدد العقوبة بالضبط ويتركونها ليجوز ويمكن وبحد أدني وحد أقصي! ولكن هناك مبدأ أساسي في القانون وهو إعمال العدل علي الجميع فهل علي القاضي تجاوز النص القانوني الذي يتعارض مع هذا المبدأ ليساوي بين الجميع؟ القضاء مهنة شريفة علي مر العصور فبصلاحها تنصلح أحوال الأمم وبفسادها تفسد البلاد. ولنتتبع مسيرة القضاء في أية أمة لنري تطورها وتدنيها. منذ سنوات سمعت في أحد الاجتماعات أحد رموز المحامين في مصر والذي شغل منصبا وزاريا في السابق يتحدث عن بطء إجراءات التقاضي وكيف أن فترة تداول القضايا تطول لسنوات عديدة وكيف أنه استطاع بهذا أن يحول إحدي قضايا النصب التي وقعت من شخص إنجليزي في القاهرة علي موكله المصري, يحولها إلي القضاء الانجليزي( علي خلاف المفترض لأن واقعة النصب حدثت في القاهرة) والذي انتهي فيه إلي حكم خلال أسبوعين. يحدث هذا ونتشدق بالقضاء الناجز. أليس العدل البطيء ظلما؟ ولنتساءل كم هو عدد الأحكام التي تم استئنافها نتيجة خطأ القضاة, ولماذا لم يحول هؤلاء إلي لجنة الصلاحية؟ ولنتساءل من منا لم يتعامل مع القضاء وهل كان راضيا عن هذا التعامل من ناحية النتيجة ومدة التقاضي وإجراءاته؟ إن إصلاح منظومة القضاء مطلب تنموي إنساني بالطرق التي حددها الدستور من خلال المجالس النيابية خاصة وأنه منوط بمجلس الشوري الحالي القيام باختصاصات مجلس النواب( غير القائم حاليا) طبقا للمادة131 وللمادة230 من الدستور. وعلي مجلس الشوري القيام بإصلاح المنظومة القضائية كاملة حتي يصبح العدل قيمة أساسية في المجتمع. إن الدعوة إلي تظاهرات لإبراز الموقف من القضاء هي دليل عجز المجلس النيابي القائم عن أخذ خطوة في الطريق الصحيح. إن التظاهرات المؤيدة والمعارضة لن تؤدي إلا إلي مزيد من الشغب ومزيد من الضحايا يتحمل وزرها المجلس النيابي القائم نتيجة عدم وضوح رؤيته لأولويات المرحلة الحالية. والعجيب أن الدعوة للتظاهرات تأتي من بين أعضاء مجلس الشوري الحالي! هذا الأمر يجعلني أتساءل: ما هو دور مجلس الشوري والذي يقوم بدور المؤسسة التشريعية في مكافحة الفساد حتي يأخذ الشعب حقه من المفسدين ومن كل من ائتمنه الشعب وخان الأمانة مهما كان موقعه؟ حين نحاول أن نفهم حقيقة المشهد التنموي الحالي علينا أن ندرك أنه بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن لدينا3.5 مليون عاطل عن العمل أي13% من قوة العمل وهو أمر لا ينفع معه تعيين عدة آلاف كما تشير إلي ذلك تلك البيانات الرسمية علما بأن عدد العاطلين يزداد يوميا بصورة طبيعية ولما يعانيه الاقتصاد من ركود. ألا يستوجب ذلك التفكير وبعنف خارج الصندوق؟! وإذا علمنا أن معدل أداء الموظف الحكومي يبلغ حوالي عشرين دقيقة في اليوم لعلمنا الحجم الحقيقي للمأساة. هذا الأمر يعني أن من يقوم بالعمل هو5% من الموظفين. وهو أمر مستغرب ولكنه في الجانب الإيجابي يعني أننا يمكننا الاعتماد علي هذا العدد كي يسير العمل بنفس وتيرته الحالية. وحتي يمكننا تحقيق إنجاز أفضل يتمشي مع ما نتوقعه من الجهاز الحكومي يمكننا بمضاعفة العدد لنصل إلي10% من قوة العمل الحالية كي نحقق معدلا ممتازا يليق بنا, وهو ما يجعلني أتساءل ألا يمكن للدولة أن تضع يدها علي عشر عدد العاملين بها الذين تثق في قدراتهم وإمكان أن يقودوها للأمام لتدفعهم للصفوف الأولي وأماكن القيادة؟ ألا يستوجب الأمر إجراء قانونيا منضبطا وعادلا؟ وأتساءل, هل تملك الدولة أية معايير علمية للوظائف العامة أم أنها تسير علي نفس النهج الفاسد؟ قضية المعايير غير قضية الاشتراطات للوظائف العامة فالاشتراطات تفتح الباب للدخول فقط لكنها لا تضع قواعد الاختيار. الاشتراطات يمكن أن تشترط أن يكون رئيس الجمهورية مصريا مثلا لكنها لا تضع معايير للوظيفة مع أن لكل وظيفة متطلبات فإدارة جامعة تتطلب مؤهلات غير متطلبات إدارة شركة صناعية غير متطلبات شركة تجارية وهلم جرا. ولكننا نعتقد أن الانتخابات معيار وهي ليست كذلك لأنها آلية اختيار فقط. وللأسف فنحن غالبا ما نتجاهل المعيار في أغلب أعمالنا حتي الخاصة منها. ولن أشير بأصابع الاتهام إلي التعليم وحده بل أضيف إليه السياسة ثم الثقافة والإعلام التي صبغت المجتمع بصبغة غير علمية علي مدي عقود فهل لنا أن نخطط علميا لمجتمع علمي؟ يقول شاعر القطرين خليل مطران وكأنه يصف الدواء: إن يعتزم يقدم كما تهوي العلا:: إقدام لا حذر ولا متردد, وفي كل حال يفعل الفعل كاملا:: ولا يستشير الحرص أو ينتهي حذرا. رابط دائم :