تعيش مصر خلال هذه الفترة حالة من انحسار موجات التدفق السياحي السابقة بفعل الأضطراب الذي ألم بها, وارتفاع درجة الاحتقان التي ألهبت نيران الاختلاف بين قوي وطنية تناضل من أجل دفع سفينة البلاد نحو شاطيء الأمان, وأخري عمياء جاهلة تبغي جرها إلي أعماق الظلام والخراب. وقد أثر كل ذلك علي توقف الحركة السياحية خاصة خلال فصل الشتاء من كل عام وهو الذي يعد ذروة المد السياحي لقوافل الزائرين لمختلف منتجعاتنا المتنوعة والتي أضفت عليها حضارة مصر ثوبا قشيبا ما بين ثقافة وشاطئية وعلاجية وإعلامية..وهو الشأن الذي أثر بدون شك علي موارد الدولة المالية وأحدث بين جوانب أبوابها مزيدا من التراجع وأوقع الاقتصاد القومي في دوامة العجز عن الوفاء بالمطالب المشروعة. ومع أسفنا لما يقع علي ارض بلدنا من موجات احتقان سياسي واجتماعي تجاوز كثيرا حدود المتعارف عليه عالميا وما استقرت عليه ضوابط التظاهر والاحتجاج وبالقدر الذي لا يكون عقبة في سبيل زيادة الإنتاج أو الإضرار بالمنشآت العامة..إلا أن تصرفات الدهماء قد جرفت في طريقها كل أخضر و مزدهر, وأحالت الأرض والسماء إلي دمار شبه قاتل..وهي الهدية التي تلقفتها أيد شيطانية لا تضمر لبلدنا إلا كل خراب ودمار, وراحت تزيف الأمور بهدف حرمان مصر من الحجيج السياحي وتحويلة إلي بلدانها بفجور واضح وسفور مستفز مما اضطرت معه شركات السياحة العالمية أن توقف وفودها إلي مصر محتجة بدواعي عدم الاستقرار وغياب الأمن وهو الشبح المرعب الذي يفزع منه كل سائح ويعمل الزائرون له ألف حساب. والذي يزيد من وهدة الموقف السياحي أيضا أن اضعف الحلقات في سلسلة التدفق السياحي إلي مصر يكمن في ضعف حلقة( التسويق) والذي طالما نادينا بضرورة العمل علي مواجهتها والانتصار عليها لأنه شأن لا يزال تفعيله بين يدي قوي الدولة ومؤسساتها الحكومية وهي التي تفكر بأسلوب روتيني متحجر وتدور آلياتها في هذا المجال بدرجات بطيئة بدائية متخلفة عفا عليها الزمن وتجاوزتها تجارب المبدعين في عالم صناعة السياحة. ومع ذلك ومع تقديرنا للجهود التي بذلتها أجهزة السياحة علي المستوي الحكومي لوضع انسب الحلول لاجتياز عقبة ضعف حلقة التسويق للمنتج السياحي بهدف تنمية موارد ميزانية الدولة وبالقدر المناسب لإعادة عجلة الاقتصاد للانطلاق وفاء للاحتياجات. لكل ذلك فلعله يكون من المناسب أن نتناول أحد الأساليب التي درجت كثير من الدول الناهضة علي تنفيذها جذبا للسياحة إليها, وهو ما تعارف علي تسميته ب( الدبلوماسية الشعبية) لتجويد التسويق السياحي وهو الدور بالغ الأهمية والذي لا يصح ان نغض الطرف عنه, ومفاده أن كثيرا من الوفود السياحية وجماعات الزائرين إلي مصر تقوم بينهم وبين الشركات السياحية والمرشدين السياحيين علاقات حب وود وتواصل حيث يتركون عناوينهم في بلادهم لدي أحبابهم من المرشدين السياحيين وشركات السياحة وهي التي صاحبتهم في جولاتهم وهم يتريضون بين المعابد والمقابر وشواهد الحضارة فرعونية او قبطية وإسلامية اعترافا منهم بكرم الضيافة وحسن المعاملة, فلماذا لا نعزف علي هذا الوتر الإنساني؟ وحتي متي لا نغتنم همم إخواتنا من المرشدين السياحيين في ان يتواصلوا مع أصدقائهم من السائحين, وذلك بتحرير رسائل إنسانية إليهم موضحين لهم الموقف الأمن وشيوع الاستقرار في مصر ويلتمسون منهم توضيح هذه الحقائق مقرونة بشواهد الصدق علي ماتحويه هذه الرسائل من أمانة, حتي يكونوا في بلادهم خير سفراء لنا بإشاعة هذا المناخ الحضاري بين جيرانهم وأهلهم مؤكدين لهم زن مصر الحضارة مازالت بخير وهي تفتح ذراعيها لاستقبالهم والحفارة بمقدمهم. ويتصل بفكر الدبلوماسية الشعبية أيضا أن هناك ما لا يقل عن مائة وخمسين ألف عالم مصري يقيمون في هذه البلدان, فلماذا لا نجعل منهم صوتا واحدا صادقا ومعبرا يواصلون من خلال مواقعهم العلمية به شرف الدعوة لزيارة مصر ولا يصح ان نغفل قوة التأثير الايجابي لهذه الدعوة من خلال جهود المصريين العاملين في الخارج أيضا, وجعلهم علي درجة من الوطنية تؤهلهم لممارسة هذا الواجب القومي بان يعلو صوتهم مؤثرا في محيط عملهم للدعوة والترغيب إلي زيارة مصر بلد الحضارة والتاريخ. إن كل هذه الاليات وهي التي تمثل في مجموعها الدبلوماسية الشعبية مدعوة اليوم لأداء ما عليها من واجب وطني يشد من أزر الجهود الحكومية ليتكامل عزف هذه الملحمة من خلال جوقة وطنية يؤدي كل منها دوره المنشود لينتج في النهاية لحنا وطنيا نشنف به اذان العالم خاصة خلال هذه الفترة التي تحوطنا فيها كثير من العداوات التي لا تضمر لوطننا إلا كل حقد وشر, وحتي تفوز مصرنا المحروسة بقصب السبق في هذا التنافس شديد الشراسة. إنها دعوة نتوجه بها أيضا لجهاز هيئة تنشيط السياحة ونناشدها لبذل غاية جهدها لدعم ومعاونة دبلوماسية الوفود الشعبية والتي من المناسب ان يرافقها علماء الاثار المصريين أصحاب الشهرة العالمية في الاتصال بمواقع التأثير في عالم السياحة حتي نستطيع ان ننجح في الالتحام بها لترويج منتجنا السياحي وذلك من خلال رابط متين, جاذب وقوي, لنعيد به للزائرين طريقا افتقدنا خطواته منذ فترة. إن حضارة السبعة آلاف عام والتي تراكمت في ضفاف نهر النيل كحقب تاريخية ماتزال تبهر العالم بروعة إبداعها وعمق أسرارها الجديرة بان تنقلب إلي واقع كيفي ايجابي يلهم نبل أهدافنا وينير خطوات طريقنا لبذل غاية الجهد من أجل أن يعود التدفق السياحي إلي مصر مرة اخري كسابق عهدنا به..وحتي تكون الحضارة المصرية منارة ضياء تمتع الناظرين الي شواهدها بجمال مادي ومعنوي وبما يضفي علي وجدان السائحين والزائرين فيضا أبدعه انسان هذه الحضارة, وهي التي لا تزال في سجل الخلود متونا أفرد لها التاريخ صفحات ناصعة بألج الفخار والمجد.