ارتفعت ضحكة الصغيرين وصفقا بأيديهما في وداعة مقرونة بالرهبة, وهما ينظران لأخيهما الأكبر وهو يشعل عود الثقاب للمرة الرابعة ثم يرميه علي الأرض مشتعلا. تكرر لعب الصغار الثلاثة مع الثقاب واستهوتهم التسلية الخطرة, حيث اعتادوا اللعب في فترة الصباح بعد خروج والدهم للعمل بالمقهي الذي يبتعد عن مسكنهم بمنطقة الساحل بالقاهرة, وقبل استيقاظ والدتهم وذهابها للعمل. تظاهر الأشقاء الثلاثة بمشاهدتهم للتلفاز فور سماعهم لتنهيدات أمهم وهي تهرع من مخدعها, وطالبوها بأن تصطحبهم إلي عملها بمعرض السيارات, غير أن الأم دائما ما كانت تعنفهم لمشاغباتهم المستمرة, وإحداث فوضي بمحتويات الشقة, أحضرت الأم طعام الغداء لأطفالها وأطعمتهم حتي امتلأت بطونهم ضمانا كي يذهبوا في سبات عميق حتي يحضر والدهم من عمله ويتولي رعايتهم. وصت الأم أميرة27 سنة كبيرهم طاهر4 سنوات بالاعتناء بشقيقيه التوأم كريم وكرم3 سنوات, وعدم العبث بما هو خطر بالشقة. تظاهر الشقيق الأكبر بتنفيذ تعليمات والدته, إلا أنه وفور خروجها من المنزل, عاد مع شقيقيه للعب بأعواد الكبريت وإشعالها. لم يدرك الصغار أن غرفة معيشتهم المسقوفة من الخشب ستطولها النيران وتمسك بها, خرج الأمر عن سيطرة الأشقاء بعد أن اشتعلت النيران بغرفة معيشتهم فحاولوا إحضار الماء من صنبور المياه بالمطبخ لكن دون جدوي, لتتصاعد الأدخنة في سماء شارع نجم قشقوش بالساحل, لينتبه الجيران ويصعدوا إلي الطابق العلوي بسطح العقار الكائنة به غرفة المعيشة ويخرجوا الأطفال قبل أن تمسك بأجسادهم النيران ويطفئوها قبل أن تتلف محتويات الغرفة. هرع الزوجان إلي منزلهما فور علمهما باشتعال النيران باحدي الغرف بأسطح العقار الذي يقطنون بداخله, وما أن شاهدوا أبناءهما في أحضان جيرانهم سجدوا لله شكرا علي نجاتهم, وألقي كل منهما باللائمة علي الآخر لاهمالهما في رعاية الأبناء. تعاهد علاء عبد العزيز37 سنة عامل المقهي مع زوجته علي ألا يتكرر ما حدث بعد أن لقنا الصغار علقة ساخنة حتي لا يمسكوا بأعواد الكبريت والعبث بها مرة أخري, وقسم الزوجان رعاية الأطفال طوال يومهما علي فترتين, حيث تتولي الأم منذ الصباح وحتي مجيء الأب مساء, ثم يأتي الأخير قبل أن تخرج الأم إلي عملها بمعرض السيارات ليلا. هدأت أحوال الأسرة قليلا, والتزم الأشقاء الثلاثة بتعليمات والديهما, غير أن طاهر اعتاد أن يشعل علبة الكبريت من جانب والده المدخن أثناء تركه لها سهوا ليداعب بها شقيقيه الصغيرين عندما تحين الفرصة. عرفت الخلافات طريقها إلي غرفة الخشب الكائنة بحارة نجم قشقوش بمنطقة الساحل ودبت مشادة كلامية وصلت إلي حد التراشق بالألفاظ بين الزوجين لعدم إحضار أميرة الطعام لعلاء قبل أن تذهب لعملها, فترك المنزل غاضبا لعدة أيام كعقاب للزوجة علي إهمالها في واجباتها المنزلية. تقمصت أميرة دور الأب والأم معا فأصبحت تحضر الطعام للأولاد وتذهب لعملها بعد أن توصد أبواب الغرفة علي صغارها خوفا من اقتحام مجهول واختطافهم بعد غياب الأب الذي استمر في غضبه رافضا كل محاولات الصلح من الأقارب. بحثت أميرة بين المحيطين بها كي تضع ثقتها في أحداهن لرعاية صغارها الثلاثة لكن دون جدوي. فقررت الاستمرار في طريقتها برعايتها الناقصة لهم لانهماكها الشديد في العمل بمعرض السيارات, وحدث ما كان يخشي منه, فعقب نزول الأم من الغرفة لعملها بعد أن شددت علي الصغار بعدم العبث والجلوس أمام التلفاز فقط وأغلقت باب الغرفة بالمفتاح, التفت طاهر إلي علبة الكبريت التي كان يخفيها بأحد أركان الغرفة وجمع شقيقيه حوله وعكف علي إشعال الأعواد واحدا تلو الآخر حتي أمسكت النيران بأحد الأقمشة المتناثرة في جوانب الغرفة وامتدت إلي حوائطها الخشبية فأشعلتها تماما. أطلق الصغار الثلاثة صرخات استغاثة لعل أحد الجيران المارين فوق سطح العقار يسمعهما لكن دون جدوي, حيث الأبواب مغلقة من الخارج ولضعف جسدهم فشلوا في كسرها. حولت النيران أجساد الصغار إلي كتل متفحمة, ليبلغ الأهالي قوات الحماية المدنية التي دفعت ب6 سيارات إطفاء أنقذت حارة نجم القشقوشي من كارثة محققة وأخمدت النيران بالغرفة الخشبية, وتم استخراج جثث الأطفال الثلاثة ونقلها إلي مستشفي الساحل, وانتقل العميد ناصر حسن رئيس قطاع شمال القاهرة إلي مكان الحادث واستدعي الأم المكلومة التي لم تلم سوي نفسها وزوجها علي ما حل بصغارها.