تمر البلاد بمرحلة حرجة تتصاعد فيها حدة انقسامات الشعب المصري..الأمر الذي يتطلب نبذ الخلافات والتوجهات السياسية وتكاتف جميع أجهزة الدولة الإعلامية والقضائية والأمنية بما يخدم الصالح العام للوطن وحتي نتجاوز تلك المرحلة لنبدأ مسيرة التنمية التي لم يتسن لنا البدء فيها رغم انقضاء عامين علي الثورة. وأكد خبراء الأمن والإعلام أن المسئولية لايتحملها شخص واحد..بل هي واجبة علي كل أجهزة الدولة وكل أفراد المجتمع لذا لابد من التكاتف وتوحيد الرؤي لعبور هذه المرحلة بسلام وأقل الخسائر..في البداية يتساءل يسري العزباوي خبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أين هي أجهزة الدولة كي يتسني لنا الحديث عن تكاتفها من عدمه؟لافتا إلي إصابة جميع أجهزة الدولة بحالة من الترهل والتفكك, فضلا عن اتباع سياسة اليد المرتعشة من حيث اتخاذ القرارات,بالإضافة الي عدم التعاون فيما بينها من أجل تحقيق مصلحة الوطن. وأوضح العزباوي أن المؤسسات القضائية تعاني الانقسامات الداخلية, حيث آراء القضاة المتباينة فيما يخص جميع القضايا المثارة والتي كان أبرزها قضيتا النائب العام والدستور الجديد, كما أنهم ينقسمون بين مؤيد ومعارض للنظام الحاكم, مما يحدث حالة من الترقب حول مدي نزاهة القضاة عند الفصل في القضايا. وأشار إلي تدني مستوي آداء الأجهزة الإعلامية في الدولة سواء الخاصة أو الرسمية والتي أصبحت تغلب عليها سمة التحيز, لافتا إلي تحول المذيعين إلي نشطاء سياسيين بعد أن تخلوا عن معايير المهنية والحرفية في الأداء الإعلامي وأضاعوا الحد الأدني من الحيادية. وفي السياق ذاته أكد اللواء عبد المنعم كاتو خبير عسكري واستراتيجي ضرورة تكاتف جميع أجهزة الدولة للخروج بمصر الي بر الأمان, مشيرا إلي عدم تقصير الجهاز الأمني الممثل في وزارة الداخلية عن أداء واجبه في حفظ الأمن وحماية أرواح المواطنين, إلا أن هناك العديد من التحديات التي من شأنها عرقلة عمل الأجهزة الأمنية, حيث استفحال ظاهرة الانفلات الأمني مع استحداث أساليب جديدة لإشاعة الفوضي في المجتمع بداية من عدم احترام القانون واستخدام شتي أنواع الأسلحة وحتي تشكيل المجموعات الملثمة التي تثير الذعر في قلوب المواطنين,فضلا عن عدم وجود تناسب بين عدد قوات الأمن وأعداد المتظاهرين. وأشار إلي إمكانيات التسليح المحدودة التي لاتتناسب مع حجم المخاطر التي يواجهها رجال الأمن, مما يؤدي إلي اتهام رجل الأمن دائما بالتقصير, مشيرا الي أنه لايمكن استعادة الأمن من خلال المنظومة الأمنية وحدها, بل لابد من تحمل الدولة مسئولية اتخاذ حزمة من القرارات السياسية لإذابة حالة الاحتقان في الشارع المصري. ويري العميد محمود قطري خبير أمني ولواء سابق أن المنظومة الأمنية تشهد أسوأ مرحلة في تاريخها علي الإطلاق, لأن وزارة الداخلية تعرضت للانهيار داخليا قبل الثورة ب10 سنوات, فأصبحت مجرد غطاء أمني هش, ثم اندلعت ثورة25 يناير لتقضي عليها تماما, مؤكدا أن ما أصاب الشرطة من شرخ عميق يحول دون استعادة هيبتها مرة أخري. وأكد غياب المقومات الأساسية التي تسمح بتفعيل المنظومة الأمنية, مثل غياب القيم التي نشأ عليها ضباط الشرطة كالسمع والطاعة وذلك بعد إلغاء الأحكام العسكرية, مما أدي إلي مزيد من التسيب وعدم تنفيذ أوامر القيادات, فضلا عن عدم وجود استعدادات كافية لتأمين الأحداث اليومية من المسيرات والتظاهرات. وأضاف العميد قطري أن عدم السماح لرجال الأمن بحمل السلاح, يحد من قدراتهم علي الدفاع عن أنفسهم والتصدي للعناصر الإجرامية, كما أن الدعوة إلي إشراك المواطنين في الحفاظ علي الأمن وملاحقة المجرمين في إطار التعاون مع الأجهزة الأمنية ينذر بكارثة حقيقية ويشعل فتيل الحرب الأهلية. وشدد علي ضرورة مساندة النظام الحاكم للجهاز الأمني المترهل لاستعادة هيبته من خلال تطهير وزارة الداخلية وإقالة قياداتها مع تشكيل لجنة موسعة تضم مجموعة من الخبراء الأمنيين وضباط الشرطة وأساتذة علم النفس والاجتماع للاتفاق حول وضع ميثاق للأمن المصري في الفترة المقبلة. وأكد دكتور محمد كمال القاضي أستاذ الإعلام السياسي بجامعة حلوان أن صعوبة الموقف وتردي الأوضاع من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية باتت تفوق قدرات جميع الأجهزة الإعلامية مجتمعة سواء الخاص أو القومي أو المحلي أو العربي أو الدولي, حيث أن مصر تمر بمرحلة حرجة لم تشهد لها مثيلا علي مدار7 آلاف عام حيث الشلل التام في جميع مرافق وأجهزة الدولة. وأشار الي تخبط المنظومة الإعلامية مثل جميع أجهزة الدولة, نظرا لتأثرها بسمات المرحلة حيث اختلاط الحابل بالنابل والحق بالباطل, مما أدي إلي وقوف الإعلام في موضع الحائر الذي لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ فتارة يوالي تيارا بعينه وتارة أخري يوالي تيارا آخر, فضلا عن أنه بات ينقل صورة قاتمة لواقع مرير يعيشه المصريون, لأن المهنية تقتضي نقل الصورة كما هي دون تحريف, قائلا: الإعلام حائر..وفي موقف لايحسد عليه. وأوضح القاضي ضرورة تبني وسائل الإعلام لمقترحات كبار الساسة والمفكرين للخروج من الأزمة الراهنة,مع التركيز علي إيضاح هذه الأفكار وإيصالها بطريقة مبسطة للرأي العام. ومن جانبه قال أحمد سبيع المتحدث الرسمي باسم حزب الحرية والعدالة إن قدرة الدولة علي الصمود والتماسك رغم مرت به من أحداث مؤسفة خير دليل علي تكاتف أجهزتها, مؤكدا أن الأجهزة الأمنية تعمل بكامل طاقتها رغم الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد, كما أن الجهاز الإعلامي بشقيه الخاص والعام يعمل بحد أدني من الحيادية المطلوبة لإدارة المرحلة الانتقالية وإن كان هناك بعض الانحرافات نتيجة التأثر بالمزاج العام للشارع المصري والرغبة في مواكبة الرأي العام, مشيرا الي أن هذا لاينقص من شأنه بل هو دليل علي تبني جميع الآراء وممارسة الديمقراطية الحقيقية.