بين شد وجذب ودعاوي قضائية أصبحت العلاقة بين المثقفين والفنانين من جانب, وعدد من المنتمين للتيار الديني علي الجانب الآخر مثل الخطوط المتوازية التي لا التقاء بينها, وجاءت حادثة ساقية الصاوي لتزيد الفجوة بين الطرفين. وفي محاولة لتحقيق ولو قدر يسير من التقارب, قام الأهرام المسائي باستعراض آراء المثقفين والمنتمين للتيار الديني حول حالة الجدل السائدة..الآونة الأخيرة شهدت حملة قوية علي الفن والإبداع من قبل بعض التيارات.. هكذا بدأ الفنانون حديثهم مؤكدين غضبهم وقلقهم. في البداية طالب الملحن حلمي بكر في ساقية الصاوي بأن يقدموا ما يثبت صحة كلامهم من صور وفيديو إن كانوا صادقين فيما يقولون, خاصة أن الطقوس التي تمارس مع رقص الميتال والهيفي ميتال طبيعية أما إذا حدث عكس ذلك, فالكل يعاقب, بمن فيهم صاحب المكان. وأضاف: أري أن الكل أصبح حريصا علي أن يبرر أشياء لحساب فكرة معينة, بمن فيهم من ظهر أخيرا وطالب بإلغاء الفنون والثقافة والمسرح, فإذا كنت تريد أن تعرف دولة فإن عنوانها يكون الفنون والثقافة, فكيف لنا أن نلغيها؟! وما أراه حاليا أن البلد في حالة حرب لطمس هويتها. كما قال الكاتب يوسف القعيد: إذا ثبت أن المحامي الذي تقدم بالبلاغ أو الدعوة ضد الحفل بساقية الصاوي ينتمي لحزب الحرية والعدالة, فهذا يصبح جزءا من مطاردة الفن والإبداع في مصر, وعلي الذين يطاردون الفنون بدلا من التشهير علي الصحف والقنوات بالمبدعين, أن يسلكوا سبيل الحوار لأنه الأفضل, كما أن مطاردة الفنانين تنذر بموقف ضد الفن والثقافة, فعليهم أن يتركوا الشباب يتجه للفن لأنهم إن لم يتجهوا للفن سيتجهون لأمور سيئة. وتري المخرجة كاملة أبو ذكري أن الإعلام أصبحت لديه رغبة في تضخيم الأمور, فكلها حالات فردية نتعامل معها علي أنها حالة عامة. وقال المخرج خالد يوسف: منذ فترة طويلة ونحن نتعرض إلي ما نتعرض إليه الآن من هجوم مستمر علي الفضائيات, ودعاوي قضائية وغيرها من الطرق المختلفة التي تسعي لتشويه الفن والفنانين, لكن الجديد الآن هو مظاهر الاستقواء بالنظام الحالي باعتباره فصيلا منهم, وبالتالي حتي ولو تعدي حدود النقد والأدب وتجاوز ما لا يمكن تجاوزه, أصبحت لديه ثقة أنه لن يقترب منه أحد. وأكد يوسف أن المبدعين سينتصرون في النهاية علي كل قوي الظلام, لأنه لا علاقة لها بالمستقبل, فعلاقتها مرتبطة بالماضي, وحركة التاريخ تسير للأمام. وأوضح الشاعر محمود قرني أنه بصفة عامة هناك سوء فهم بين تيارات الإسلام السياسي وبين مفهوم الحريات, وهذا سيؤدي دائما إلي المزيد من القمع والقهر, لأن فكرة الإسلام السياسي عن الحكم فكرة شمولية وإقصائية, وهي في مجموعها تصورات تنطلق من مرجعيات متناقضة, لا تستطيع أن تستوعب فكرة التجدد, ولا التجاوز الزمني, وترفض في كل الأحوال منجزات الفقه الإسلامي في عصوره المستنيرة, وعلي سبيل المثال هم يرفضون جميع ما قال به أئمة التنوير مثل الأفغاني, ومحمد عبده, والكواكبي, وعبدالمتعال الصعيدي, وستظل في نهاية الأمر فكرة السيطرة علي المنتج المعرفي الذي يشكل العقل العام هدفا أساسيا لنظام الحكم الشمولي أيا كانت مرجعيته, سواء تذرع بالإسلام, أو بالقومية, أو الوطنية, لذلك سيظل الصراع مستمرا لأنه في جولة صراع بين العقل والنقل.. صراع بين الإبداع والاتباع. وأضاف قرني: علي جانب آخر لا يمكننا أن نتجاهل أن الفنون, منذ عدة سنوات, تشهد انحدارا وضعفا وسلبا لمنظومة القيم الرفيعة التي قامت عليها الدولة الحديثة, وعلينا كمثقفين أن ننتبه لهذا الأمر, لكن العلاج في كل الأحوال لا يكون بالمصادرة والمنع والقهر والاتهامات الباطلة. ومن جانبها أكدت الروائية سلوي بكر أن ما يحدث هو جزء من سياسة عامة تستند إلي غياب العقل, وعدم إعمال الخيال, وهذا من الأعراض الطبيعية لهذا النهج السياسي, فالطرق الجديدة لمطاردة الإبداع ليست تغيير في الأسلوب, لكن رؤية جديدة ترفض التعدد والاختلاف ووجهات النظر المختلفة, وهذا يستلزم وجود تيار سياسي جديد عليه الاشتغال علي الثقافة كجزء من برنامجه العام, وإدراج من هم أكثر استنارة ضمن برنامجه, لذا الحل هو عمل سياسي في المقام الأول, وليس الحل في البيان أو الوقفات الاحتجاجية. أما الموسيقار محمد سلطان فقال: أنا مع الفن النظيف الذي يتضمن هدفا ولا يضر أحد, أما مواجهة الفن الهادف وخلطه بالفن المسف فهذا أمر غير مقبول, فهناك عمل جيد وآخر رديء, فلا نستطيع أن نقول إن الموسيقي حرام مثلما يقول بعض الفقهاء. وفي مقابل آراء الفنانين جاءت آراء التيار الديني الذي يتمثل في حزب الحرية والعدالة مطمئنة ومؤكدة أنها ضد الهجوم علي الفن بأي شكل من الأشكال, وأنها مع الفن الهادف صاحب الرسالة. فمن جانبه قال خالد بنورة عضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشوري عن حزب الحرية والعدالة: إن الحزب لا يهاجم أحدا, وإن كانت له نظرة معينة من بعض الممارسات وليس الأشخاص, لأنهم مواطنين مثل باقي المواطنين لهم ما لهم, بالإضافة إلي أنهم فنانين يقدمون رسالة, ونحن نحترم هذه الرسالة. وأضاف: إن كان لنا موقف فهو نقدي, حيث ننقد نقدا بناءا وليس حربا علي الأشخاص, لأننا لا نتعرض لهم بالتجريح ولا بالغيبة, والتعرض يكون لمواقف بها بعض الزلات, وعلي الفنان أن يراجع نفسه في هذا الموقف ليجود من أدائه وعمله. من جانبه رأي سيد خطاب رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية أن استمرار هذا المنطق يؤدي إلي كوارث, ويسهم في ظهور أصوات كثيرة متشددة, لذا فنحن لا نريد أن نتحدث عن الأمر باعتباره معركة, إنما صيغة من صيغ التفاعل التي تحدث في المجتمع المصري, وأعتقد أنها فرصة كبيرة ليدور حوار بين الطرفين, وهو ما أتمني أن يحدث خلال الفترة الحالية حول كل الموضوعات المرتبطة بحرية الإبداع وعلاقة الفن بالمجتمع, وأن يحدث اتفاق بين رؤية المبدعين وحركة المجتمع, لأن علاقة الفن بالواقع مهمة, ولا يصح أبدا أن يسيروا في اتجاهين مختلفين. وأضاف أن ثورة25 يناير كان من أهم مطالبها الحرية, ولن ينتقص من حرية مبدع من الآن لأن مصر لا تضحي بحرية مبدعيها وأي شخص يفكر في نهضة مصر لابد أن يفكر في صناعة الإبداع والدراما والسينما, فهي صناعة وتمتلك أدواتها, والسوق التي تتحرك فيها, وأعتقد أن الدولة لا تضحي بفرصة كهذه في ظل أزمة اقتصادية صعبة. وأشار خطاب إلي أننا في دولة القانون وسنتخذ كل الإجراءات لمقاضاة أي شخص يعتدي علي أي زميل من الزملاء, ودورنا في الدفاع عنهم أهم من الاستغراق في معارك كلامية وسباب, وأي داعية يقع في السب والقذف كما وقع بعضهم, سيكون ذلك انتقاصا من قدرهم. بينما رفض نادر بكار المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي التعليق قائلا: إنه ليست لديه أي تعليمات من الحزب للتحدث في تلك الأمور.