يحاول السياسيون دوما إثارة همم الناس وإلهاب حماستهم باستدام ألفاظ وكلمات مثيرة وموحية ذات دلالات مختلفة وصلة مباشرة بالهدف الذي يسعي له الخطيب أو المتحدث. ويصل الأمر بالبعض إما لفرط الحماسة أو لقلة الخبرة أو لتطرف في نفس المتحدث إلي الإساءة للناس من خلال توصيفات مفرطة في الغلو أو مسرفة في إثارة النفوس. وفي معسكر الفئة القليلة الخبرة بالناس وأمور السياسة يدخل د. محمد البرادعي عضوا بارزا وأحدث المنضمين إلي صفوفه, تحيط به فئة من السياسيين المنتمين لجماعة التطرف والغلو في التحليل السياسي واستدام الألفاظ الفخمة الضخمة لإثارة الخوف في نفوس الناس تجاه من تعارضهم هذه المجموعة. بالأمس فقط نشرت الزميلة' المصري اليوم' تصريحا منسوبا إلي د.البرادعي في سياق حملة الصحيفة المناصرة له يعرب فيه عن سعادته بأن الشعب المصري كسر حاجز الخوف. و لأن الدكتور بعيد عن حياة المصريين سنوات طويلة فهو لا يدري جيدا بالمتغيرات التي لحقت بالمشهد السياسي المصري في السنوات الخمس الأخيرة, خصوصا بعد تعديل المادة76 من الدستور والتي أحدثت تغييرا عميقا في ثقافة المصريين. الجرأة وزيادة عدد التحركات المطلبية وعلو خطاب التعبير السياسي إلي حدود غير مسبوقة كلها مؤشرات ليست جديدة علي الواقع المصري بل تزايدت خلال السنوات الماضية وهي لم تنشأ حديثا وإنما كانت من قبل وإن بدرجات متفاوتة. الدكتور البرادعي فيما يبدو ولعدم إطلاعه العميق علي تفاصيل وأغوار الواقع المصري, تخيل أن وجود أنصار حوله, وجماعات علي' فيس بوك' تناصره, ووسائل إعلام تلاحقه, أن الشعب المصري كسر حاجز الخوف, ولم يعد يخاف, استجابة لتحركه في الأسابيع القليلة الماضية. لست ملاحقا للدكتور البرادعي أو تحركاته وتصريحاته, لكن بعض الأحاديث يكشف عن حقيقة ثقافة المتحدث, ويوضح بجلاء مدي مستوي إلمامه بالواقع المحيط, وهو إما يخلق الطمأنينة في نفوس المتلقين أو يخلق القلق وعدم الثقة في قدرته علي القيادة. الشعب المصري قاوم حكومات عديدة في عصور وعهود مختلفة بأساليب متعددة ومتنوعة الأدوات, وهو لم يخش هذه الحكومات وإنما تعامل معها وفقا لفهم وثقافة عميقة الوعي بالأدوات الملائمة ومنها ما كان عنيفا صاخبا ومنها ما كان مقاوما سلبيا في الشكل نازعا للشرعية في المضمون. الشعب المصري يا دكتور لم يكن خائفا يوما وإنما كان واعيا بحدود التحرك وممكناته.. وهذا هو الفارق. [email protected]