في رائعته السينمائية الزوجة الثانية صور المخرج صلاح أبو سيف جشع السلطة وتجبرها متمثلة في العمدة الذي استكثر علي الفلاح الأجير زوجته المليحة, وأراد أن ينالها بينما هي متزوجة. استخف العمدة بأهل القرية حين وجد من زين له نزوته, وبرر له رغبته بدعوي أن زوجته الأولي لا تنجب, وهو يرغب في الوريث الولد وتمادي العمدة في غيه, فأرهب الفلاح الكادح وأجبره علي تطليق زوجته ليستولي عليها بالقانون, فغير الأوراق وبدل الدفاتر, وتزوج الزوجة. وفي عالم الحقيقة, استكثر الحكام علي أبناء مصر هامش الديمقراطية, يوم داعبهم الأمل في التحول من حزب قومي وحيد إلي أحزاب ومنابر سياسية متعددة وحلموا بتداول للسلطة, وتفاءلوا بتغير الفكر الاقتصادي من توجه اشتراكي مقيد إلي نظام مالي حر وتصوروا حياتهم رغدا, واستبشروا بانفراجة نسبية في حرية الرأي والتعبير تناقش سياسات الحكومة, بل وتنتقد رئيس الدولة وتصدرت وقتها نوادي أعضاء هيئة التدريس الحراك السياسي فدأبت علي إبداء الرأي في القضايا القومية, وقدمت إسهامات ثرية للعمل الوطني تحتاج إلي توثيق منصف واستجابت الدولة حينها لمطالب أعضاء هيئة التدريس بتشريع لإعادة تنظيم الجامعات( القانون49 لعام1972) اهتم بأسلوب الحكومة وتصعيد القيادات الجامعية, وكانت أهم ملامحه هو اختيار عمداء الكليات عن طريق الانتخاب الحر المباشر. ولكن مع تغير الحكم حدثت ردة مؤسفة في البلاد, فأخمد الحكم القائم علي التسلط والسيطرة بصيص الحرية, وقرر الحكام في شبقهم العارم للسلطة الاستيلاء علي إدارة الجامعات, والتحكم في منصب العمادة, لتعزز الحكومة قبضتها علي الجامعات. كما فعل العمدة ليستولي علي الزوجة, فعلت الحكومة لتستولي علي العمادة, فعبثت بالقانون وساعدتها الحاشية المضللة ومجلسها التشريعي, وغيرت فقرة بسيطة جدا في قانون تنظيم الجامعات, واستبدلت عبارة رئيس الجامعة بأساتذة الكلية, ليصبح منطوق الفقرة يختار رئيس الجامعة( بدلا من أساتذة الكلية) عميد الكلية وهكذا شهدنا علي شاشة الحياة كما شاهدنا علي شاشة السينما كيف يستخدم القانون لإهدار حقوق الناس بدلا من الحفاظ علي مصالحهم. ومن أسف أن الحكومة وجدت( مثل ماوجد العمدة) من دافع عن خطيئتها وبرر لها فعلتها, قالوا إن الأساتذة لا يحسنون الاختيار, ويثار السؤال, إذا لم يستطع الأساتذة اختيار قياداتهم, فمن الذي يستطيع؟ قالوا إن للانتخابات مساوئ وهذا صحيح ولكنهم لم يقولوا ان التعيين أكثر سوءا, لم يقولوا أو ربما لم يعلموا ان الانتخابات رغم مثالبها هي أكثر النظم المعمول بها تحقيقا للعدل وما زلت أذكر حين خرجت علينا صفحة الرأي في جريدة الأهرام ذات صباح كالح في عصر الردة بخطابين متجاورين أحدهما يدافع عن نظام الانتخاب لعمداء الكليات بينما ينتقد الآخر نظام الانتخاب في الجامعة في تمثيلية هزلية تحاول أن توحي بأجواء الديمقراطية في لحظة ازدهرت فيها الديكتاتورية واختنقت الحرية. انتهي فيلم الزوجة الثانية إذا لم تكن قد شاهدته بأن أصيب العمدة بالشلل, ولم يستطع الحصول علي الوريث الولد من صلبه, وأيضا أصيبت الدولة بالجمود وأصيب نظامها التعليمي بالعقم والشلل. وفي محاولتنا لإصلاح الجامعات ونظام اختيار القيادات الجامعية تقرر العودة إلي نظام الانتخاب, مما أسفر عن إشكالية حول موقع القيادات الحالية في النظام الجديد أو أي نظام مغاير, فبعضهم تمسك بموقعه الإداري, ربما اعتدادا بكرامته, أو استنكارا لتعميم ظالم, أو استنادا للقانون الذي عين علي أساسه( رغم تحريفه), وهذه قراءة مخلوطة للأمور, زادها سوءا التخبط في القرارات العليا. وربما يكون الحل في تلك المرحلة هو إجراء تغيير شامل للقيادات الجامعية( حسنا لو يمتد إلي كل مواقع الدولة) وتوفير خروج كريم لكل من أعطي لموقعه في الجامعة أو غيرها عصارة فكره وجهده, والترحيب بتقدمه للانتخابات, ليطرح نفسه بمعايير الكفاءة والنزاهة, والأساتذة لهم القول الفصل. ويجدر هنا توجيه التحية إلي القيادات الجامعية التي بادرت بالتخلي طوعا عن مناصبها مؤمنة بأن هيبة الأستاذ الجامعي تتأصل حين يترك منصبه الإداري الذي أتاه من نظام سقط, ومتجنبة لصدام استشرفته, وقوده اللا قرار في مرحلة اللا حسم أو التأجيج في مرحلة الفوضي. تجري الآن في الجامعات انتخابات رؤساء الأقسام الأكاديمية, وعمداء الكليات, وقد يكون الأوفق أن يتم انتخاب رؤساء الجامعات من مجلس الجامعة, أو مجمع انتخابي موسع يضم مجلس الجامعة ووكلاء الكليات ورؤساء الأقسام الأكاديمية, ورئيس اتحاد طلبة الجامعة. الديمقراطية في الجامعة يجب ألا تختزل في انتخابات القيادات الجامعية, بل يجب أن تمتد إلي إعادة رسم دور الجامعة كمؤسسة تربوية, تقدم تربية سياسية شاملة لشباب هذه الأمة, وتسمح بأنشطة طلابية تقوم علي ترسيخ أنبل القيم وتعليم أفضل الممارسات في العمل العام بحيث تصبح الجامعة هي مصنع القادة والزعماء. الطريق أمامنا طويل, ولكن المشهد الذي يطالعنا يفرض علينا وقفة للتأمل, لقد حققنا طموحنا بالعودة إلي انتخاب العمداء, ولكن ألا يصبح الأمر محزنا أن نفرح لأننا تقدمنا ثلاثين عاما إلي الخلف!! السؤال المحوري الذي يطرح نفسه علينا, كيف نتقدم بجامعاتنا إلي الأمام؟ هذا حديث ذو شجون, ولنا بالقطع عودة,,,