يتقدم الجيش السورى فى آخر معاقل الجماعات المسلحة فى إدلب على ثلاثة محاور. الأول فى شمال حماة وجنوب إدلب، والثانى من شرق اللاذقية، والثالث من غرب حلب، وجرى تحرير عدد كبير من القرى والبلدات فى جميع المحاور، وسط ارتباك شديد دب فى صفوف الجماعات المسلحة التى كانت تنتظر دعما سياسيا أو تهديدات دولية توقف العمليات العسكرية السورية، لكن على ما يبدو فإن الحماس الدولى للجماعات المسلحة فى إدلب أخذ يفتر، وتركز الاهتمام الدولى بالأحداث فى الخليج، والأزمة المتفاقمة بين الولاياتالمتحدة وإيران، حتى أن روسيا توقفت عن التحذير من إطلاق حملة دعائية تدعى استخدام الجيش السورى لأسلحة كيماوية فى هجومه على إدلب، وكانت روسيا وجهت انتقادات شديدة إلى تركيا لعدم التزامها بتنفيذ اتفاق سوتشى بنزع سلاح الجماعات فى عدد من المناطق، وفتح الطرق الدولية، وشبكات الطرق الحيوية الرابطة بين حلب واللاذقية وحماة وحمص ودمشق، بما يسهل حياة السكان، ويعيد الحياة الطبيعة لمناطق واسعة، لكن تركيا طلبت تمديد المهلة لأكثر من مرة دون تحقيق تقدم، ولهذا تحركت القوات السورية بدعم جوى روسى لتوجيه ضربة قوية للجماعات المسلحة، ومنها جبهة النصرة التى تحولت إلى جبهة تحرير الشام والجماعات الأخرى المرتبطة بجماعة الإخوان، وأهمها هيئة أحرار الشام، وكانت روسيا أعلنت عن تعرض قاعدتها العسكرية لهجمات صاروخية وطائرات مسيرة للجماعات المسلحة، كما تعرضت أحياء حلب لقصف متكرر أودى بحياة عدد من المدنيين. المشكلة الرئيسية التى تواجهها قوات الجيش السورى هى أن تلك الجماعات ليس لديها مكان تنسحب إليه، وهو ما يعنى أنها ستقاتل حتى الموت، وتشن عمليات انتحارية يائسة بهدف إيقاع أكبر عدد من القتلى بين صفوف الجيش السورى، وكانت إدلب تحولت إلى خزان ضخم للجماعات الأكثر تطرفا، والتى كانت ترفض تسوية أوضاعها فى معارك حلب والغوطتين وجنوب سوريا ودير الزور، وجرى نقلها بالحافلات الخضراء إلى إدلب، لتصبح المعقل الأخير والأشد خطورة للجماعات المسلحة فى سوريا، والمرتبطة بحبل سرى مع النظام التركى الذى يزودها بالسلاح والذخائر والوقود وباقى متطلبات الحياة، لأن إدلب تقع على الحدود التركية من الشمال والغرب، ولا يوجد لها أى منفذ آخر. وأعلن الجيش السورى عن سيطرته على تل عثمان الإستراتيجى يوم الإثنين تحت غطاء نارى كثيف، لأنه يطل على مساحات واسعة فى منطقة سهل الغاب، الذى يشكل عمق محافظة إدلب وتقع فيه عدد كبير من القرى والبلدات، ولم تفلح كل الهجمات المضادة للجماعات المسلحة فى استعادة التل، وبدأت تتشتت بعيدا عن مرمى المدفعية السورية، وهو ما يسهل السيطرة على مناطق واسعة من إدلب، ومن أهم أسباب الانهيار السريع للخطوط الأمامية للجماعات المسلحة هو التناحر الشديد بينها، واندلاع صراعات نفوذ أودت بالكثير من عناصرها، ولم تنجح محاولات توحيدها، واستغل الجيش السورى تلك الصراعات وعقد اتفاقيات مصالحة مع عدد منها، ووعد بتسوية أوضاعها فى إطار الدولة السورية، بينما تقاتل العناصر الأجنبية بضراوة لتقطع السبل أمامها، خاصة بعد أن أعلنت عدد من الدول الأوروبية أنها لن تستقبل أعضاء تلك الجماعات لو وقعوا أسرى، وأن على سوريا والعراق محاكمتهم على أراضيها، لتنتهى أسطورة إقامة دولة الخلافة وتطوى معها أحلام الرئيس التركى أردوغان وتترك الآلاف من قصص المآسى.