كلما قرأت قصة تدمير اللواء190 مدرع الإسرائيلي في نصف ساعة فقط في الأيام الأولي لحرب أكتوبر المجيدة وقفت إكبارا وإجلالا لهذا الجيل العظيم الذي حارب وانتصر وتغلب علي كل الصعاب في هذه الحرب.. بدءا من الرئيس السادات حتي أصغر جندي كان يحارب في6 أكتوبر.73 فكيف يقوم الجندي المصري بمواجهة الدبابة الإسرائيلية ذات التقنيات العالية ويدمر70 دبابة في نصف ساعة ويقوم النقيب يسري عمارة بأسر قائد اللواء190 المدرع عساف ياجوري ويبلغه أنه أسير له كل الحقوق حسب معاهدة جنيف وأنه لن يقتله كما قتل الإسرائيليون أسرانا عقب نكسة5 يونيو لسنة.1967 ويطلب عساف ياجوري أن يري الذي دمر دبابته فيحضرون له الفلاح المصري الشرقاوي محمد المصري فينتفض ياجوري واقفا ليؤدي له التحية العسكرية في احترام وتقدير. وقد علم ياجوري بعد أن ترك الخدمة العسكرية أن هذا الجندي البسيط دمر وحده27 دبابة في سابقة لم تحدث في تاريخ العسكرية الحديثة.. فلاح من ديرب نجم شرقية يستطيع تدمير كل هذه الدبابات الحديثة بصواريخ بسيطة مقارنة بالأسلحة الأمريكية الأخري ذات التكنولوجيا والدقة المتناهية. كلما قرأت هذه القصة سألت نفسي سؤالا ؟ أليست هذه القصة تستحق أن تكون فيلما سينمائيا روائيا طويلا يحكي كل هذه اللحظات بملابساتها العسكرية والإنسانية والحياتية.. وأين السينما المصرية والمسلسلات المصرية من مثل هذه القصة الواقعية الرائعة التي تعد جزءا من تاريخ هذا الشعب العظيم؟!. لقد أطلق علي محمد المصري لقب صائد الدبابات وكان المشير أحمد إسماعيل يحتفي به كثيرا ولكن كل هذا الاحتفاء سيضيع إذا لم تخلد هذه البطولات كلها في فيلم كامل يعرف كل الأجيال العربية ببطولاته وبطولات بقية الأطقم التي كانت معه. أما المقدم باقي زكي يوسف الذي كان يبلغ من العمر أثناء حرب أكتوبر35 عاما فقط فهو صاحب الفكرة الأساسية في هدم خط بارليف وفتح ثغرات لمرور الدبابات والمدرعات المصرية إلي الشرق.. ولولا ذلك ما تم نصر أكتوبر, فعبور المشاة دون عبور المدرعات سيجعلها فريسة سهلة للطيران والمدفعية والمدرعات الإسرائيلية.. ولن يمكنها من إقامة رءوس كباري علي شرق القناة بطريقة عسكرية صحيحة. هذا المقدم المهندس هو الذي هزم الفكر العسكري الإسرائيلي وتفوق علي الفكر العسكري السوفيتي الذي عجز عن إيجاد طريقة عملية ويسيرة لهدم الساتر الترابي أو إحداث ثغرات فيه. فقد كان الجميع يفكر في تدمير الساتر بالقذائف والمتفجرات.. ولكن باقي أبدع طريقة رائعة حينما قال لقادته الحل في خرطوم المياه وسنحتاج إلي طلمبات مياه تحملها الزوارق الخفيفة وتدفع المياه بقوة وعزم كبير علي الساتر الترابي ومع ميل الساتر الترابي ستتحرك الرمال إلي قاع القناة وتفتح الثغرات المطلوبة مع استمرار تدفق المياه.. وقد عرضت الفكرة علي القيادات حتي وصلت إلي الرئيس الراحل عبدالناصر الذي أمر بتجربتها منذ سبتمبر سنة1969 حتي وصل عدد التجارب العملية عليها300 تجربة قبل إقرارها. أليست قصة تدمير خط بارليف وفتح الثغرات فيه وقصة هذا الضابط الوطني العظيم تستحق أن تخلد في فيلم؟!.. أليست أهم من تخليد قصص الراقصات والتافهات؟!.. أليست أهم وأفيد وأنفع من أفلام العري والبلطجة والمخدرات والأغاني الهابطة والمناظر الفاجرة التي لا تعلم الشباب إلا الميوعة والتخنث؟!. هذه القصة عسكريا وسياسيا وإنسانيا ووطنيا رائعة من كل زواياها ولكن أين من يهتم بتاريخ وانتصارات وأمجاد هذا الوطن؟!.. لا أحد.. فالسينما المصرية تنتقل من فشل إلي فشل وليس هناك فيلم واحد كسب جائزة عالمية منذ ثلاثين عاما تقريبا. أليست قصة محمد العباسي تحتاج إلي فيلم روائي يحمل حياة البطل ورفاقه بداية من هزيمة يونيو حتي نهاية أعمارهم؟!. أليست قصة المشير أحمد إسماعيل من بداية حياته حتي موته تحتاج إلي فيلم روائي طويل؟!. أليست قصة حياة أسد الصاعقة إبراهيم الرفاعي تحتاج إلي تجسيد علي الشاشة لتتعلم منه الأجيال كلها معاني البذل والعطاء والفداء. إن من يهمل تاريخه فلا حاضر له ولا مستقبل.