حتي اليوم يستيقظ العديد من المقاتلين الإسرائيليين السابقين كل ليلة فزعين بسبب الكوابيس التي تطاردهم, لقد كنت أسيطر علي56 دبابة وبعد24 ساعة فقط لم يبق لدي سوي14 دبابة وقتل90 من قواتي, وأما زميلي ناسير لم يبق لديه سوي دبابتين وظلت100 دبابة فقط صالحة للاستخدام من بين300 دبابة خاصة بالفرقة التي كنت أقودها. هذه الكلمات قالها الميجور جنرال متقاعد حنون شيف, بعد حرب أكتوبر بفترة, وهي تعبر بوضوح عن مدي الانكسار الذي أصاب العسكرية الإسرائيلية وقتها, بعد الغرور والغطرسة وحديثهم عن جيش إسرائيل الذي لا يهزم بعد هزيمة العرب في5 يونيو. لقد ظلم الجيش المصري ظلما كبيرا يوم5 يونيو, فهو لم يقاتل أصلا, لقد كانت الفاجعة كبيرة, ولكن قادة الجيش لم ييأسوا وبدأ الإصلاح الجذري, وكان الفريق فوزي وعبدالمنعم رياض من أعظم فرسان إعادة تأهيل الجيش المصري لمعركة فاصلة, تغير كل شيء, أعيد بناء الجيش علي أسس عسكرية مهنية دقيقة, جندت المؤهلات العليا, تواصل التدريب, امتزج الضابط والجندي تدريبيا وقتاليا, نفس الزي والإجازات والطعام والسهر والتعب, بعض الجنود حصل علي سبع دورات قتال, خلال الفترة ما بين68 وحتي.73 الكل ينوي الثأر من الجيش الإسرائيلي الذي ارتفع زورا وبهتانا, الكل ينوي الشهادة, ترادفت البطولات بدءا من عملية رأس العش, وحتي بطولات إبراهيم الرفاعي ورفاقه التي أذهلت الإسرائيليين. قال صديقي قائد الكتيبة أيام أكتوبر: كنا ننام في دشمة أشبه بقفص حديدي تحت الأرض دون أدني وسائل الراحة وكنا سعداء, وكان مكتب رئيس الأركان عبدالمنعم رياض في القيادة غاية في البساطة والزهد, جيل أكتوبر حياتهم كانت لله ثم للوطن, كانوا لا يطلبون شيئا لأنفسهم, كانوا يريدون النصر أو الشهادة. ثم يردف: أشعر في كل عام أن يوم6 أكتوبر وكأنه كان بالأمس, كلما مر العمر شعرت بفخر هذا اليوم وعظمته, كنت أنوي الشهادة, وكذلك كل قادتي وجنودي, وبعد أن بدأت الحرب نويت الشهادة مجددا ولكن غمرني شعور أنني سأصاب, دعوت الله في سري يارب إذا أصبت اجعل إصابتي لا تحوجني لأحد أصابتني قذيفة في وجهي, أجريت12 جراحة كبري في وجهي ولكنني مازلت مكافحا في كل ميادين الخير والبذل أعطي ولا آخذ, روح أكتوبر لم أرها من قبل ولا أري نظيرا لها, كأننا ذاهبون إلي عرس, لا خوف ولا وجل ألهموا جميعا صيحة التكبير. صحية الله أكبر هي من أعظم حسنات القائدين العظيمين سعد الشاذلي وعبدالمنعم واصل, حيث تجاذبا أطراف الحديث قبل الحرب بأيام عما سيقول واصل قائد الجيش الثالث الميداني في خطبة القتال وقالا: لن يكون هناك متسع لذلك, سنصيح فقط الله أكبر, ووضعوا ميكرفونات علي طول الجبهة تلهم الجنود هذه الصيحة العظيمة التي كان لها أثر السحر في استسلام الجنود الإسرائيليين داخل الدشم الحصينة. كانت6 أكتوبر سيمفونية رائعة من البطولة والفداء والاحتراف عزفتها يد القدر لتنصف الجيش والوطن, الخبراء السوفيت عجزوا عن إيجاد حل لعبور خط بارليف وفتح ثغرات في الساتر الترابي, ولكن العبقرية العسكرية المصرية جرفت الساتر الترابي بخراطيم المياه, وكانت هذه فكرة المقدم باقي. كانت قناة السويس أكبر مانع مائي وكان عبوره شبه مستحيل ولكن العزيمة والتدريب المستمر جعلت العبور تحت القصف أسهل من بعض التدريبات, وحمتهم الصاعقة بسد أنابيب النابالم التي جهزت لإشعال القناة. مصر6 أكتوبر كانت الأرقي, لم تكذب في أي بيان عسكري, وشدا صوت صبري سلامة ببيانات الانتصار المدعمة دوما بالدليل. كسر الجيش المصري تقاليد عسكرية مستقرة مثل جندي المشاة لا يصمد للدبابة; في أكتوبر استطاع جندي مصري تدمير27 دبابة بمدفع مضاد للمدرعات بسيط مثل ساجر, وآخر دمر22 دبابة, وأسقطت طائرات الميراج والميج الأقل حداثة طائرات فانتوم الأحدث. في6 أكتوبر تم تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر, والجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر, وسلاح المدرعات والطيران الإسرائيلي, تهاوت الطائرات والدبابات الإسرائيلية علي رمال سيناء, لم يعرفوا الجندي المصري بحق حينما يؤمن بربه ووطنه وقيادته ويتدرب جيدا. لقد ظلت مصر أيام الحرب نظيفة عفيفة طاهرة من كل سوء, حتي الأخلاق بلغت الكمال فلم تسجل الشرطة محضرا واحدا, كل من شهد نصر أكتوبر وساهم فيه يعتبرها الحسنة العظمي في حياته والفخر الأكبر له.