هناك ظاهرة لافتة للنظر في المجتمع المصري وهي ارتفاع الأصوات في أي نقاش بين الزوجين أو بين الأم وأبنائها أو بين الأصول والفروع أو في الشارع إذا احتدم أي خلاف أو نزاع, علاوة علي وصلات من الردح والشتائم التي تنتهي عادة بالطعن في أعراض الأمهات, خلاف بين تاجر وآخر, أو سائق ميكروباص وزميله, أو سائق توك توك وآخر, أو بينه وبين آخر يسير في الشارع. مستوي الأخلاق والحوار في الشارع خاصة وفي المجتمع انحدر بشكل خطير إلي التسفل وسوء الأدب والتطاول علي الآخرين والتهجم علي الدين والعرض. وحينما أسمع سائقا يشتم آخرين أو يسب لهم الدين أقول له:ما دخل الدين في نزاعكما, وما شأن أمه التي تطعن في عرضها وهي العفيفة في بيتها بالنزاع بينكما. وأحزن حينما أعلم أنه في بلاد قريبة سبقناها بالتحضر والعلم زمنا طويلا, قد تصطدم سيارتان فلا تري جمهرة أو خناقات أو سبابا, بل تأتي الشرطة سريعا وتفصل في الأمر وتحدد مسئولية كل طرف, ويذهب كل منهما إلي حاله دون شتائم أو سباب. أما لدينا فلا يمر يوم في أي حي شعبي أو تجاري دون سلسلة بغيضة من الخناقات علي أتفه الأسباب, تنتهك فيها كل الحرمات الدينية والإنسانية, وتسمع المرأة أو الطفل المار ما يشين ويجرح سمعهم من الكلمات النابية والجارحة. ولو أن هؤلاء أخذوا ببعض حكم القرآن والحديث الشريف ما فعلوا ذلك مثل واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير, ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء وقولوا للناس حسنا وخالق الناس بخلق حسن لا تغضب, فكررها مرارا لا تغضب. البعض يعتقد أنه كلما رفع صوته في مواجهة الآخر ربح المعركة وحسمها مبكرا دون أن يدري أنه ينبغي علي كل واحد منا ألا يرفع صوته بل يرفع مستوي كلماته لتليق بدينه وإنسانيته وسمع الملائكة لها وكتابتها في ميزان حسناته أو سيئاته. وأن يدرك ان اللسان الطيب يعد ترجمة للروح الطيبة وأن اللسان البذيء هو ترجمة لنفس قبيحة همجية. وأن كلمة من هذا اللسان قد تورده المهالك في الدارين, ورب كلمة خلفت ثأرا دام لسنوات طويلة, ورب كلمة أشعلت حروبا, ورب كلمة أدخلت صاحبها لديوان الكفر والجحود, ورب كلمة طيبة أصلحت بين الناس وأطفأت نار الصراعات وأوقفت نزيف الدماء وذلك مصداقا لقوله تعالي: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. فالكلمة سواء طيبة أو قبيحة لها ثمرات قد لا تنتهي إلي يوم القيامة إيجابيا أو سلبيا فالكلمة الطيبة الراقية الرقيقة تؤتي أكلها الطيب إلي يوم القيامة. استقامة اللسان هي أهم دليل علي استقامة القلب والإيمان, وصدق رسول الله الذي وضع هذه القاعدة الذهبية لا يستقيم إيمان عبد حتي يستقيم قلبه, ولا يستقيم قلبه حتي يستقيم لسانه, وآفة مجتمعنا اليوم أنه لا ينصف أذنيه من لسانه, فيتكلم كثيرا ولا يسمع للآخرين إلا قليلا. ولطالما أعجبني ابن مسعود في حكمته الأثيرة ما شيء أحوج إلي طول سجن من لساني فكلما تدبرتها وجدت أن مجتمعنا يحتاج للصمت والعمل الكثير بدلا من اللغو الكثير والبطالة اللانهائية, وقد قال بعض الحكماء: ما تكلمت منذ خمسين عاما كلمة أريد أن أعتذر عنها. دلالة علي حسن ضبطه للسانه. والآن هناك نماذج كثيرة في مجتمعنا كثيرة الثرثرة بلا معني والتشدق الكاذب وادعاء التفقه وهم بلا علم وهؤلاء قال عنهم رسول الله وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقا, الثرثارون المتفيهقون المتشدقون الصمت الكثير والكلام بعلم وفهم وصدق وفيما ينفع الناس وحين يحين أجله هو من علامات تحضر الأمة وحسن تربيتها.